(( فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بتلك كنتم تغلبون الناس ))
وتقهرونهم،
بسم الله والصلاة والسلام على من لانبي بعده 00وبعد
يقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني الحارث
يوم وفدوا إليه للإسلام والدخول في الملَّة:
يا بني الحارث، بم كنتم تغلبون الناس يا أكثر العرب عدداً ولا عدداً؟
قالوا له: يا رسول الله، نحن قوم لا نبدأ أحداً بمظلمة،
فإذا أراد قوم ظلامتنا أو حربنا قلدناهم البغي،
وصبرنا على حربهم حتى يحكم الله بما هو حاكم.
(( فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بتلك كنتم تغلبون الناس ))
**==========================================**
أن قحطان بن هود النبي صلى الله عليه وسلم وصى بنيه، فقال لهم: يا بني إنكم لم تجهلوا
ما نزل بعاد دون غيرهم حين عتوا على ربهم وأعدوا آلهة يعبدونها من دونه وعصوا أمر ربهم،
وأمر نبيهم هود وهو أبوكم الذي علمكم الهدى وعرفكم سواء السبيل.
وما بكم من نعمة فمن الله عز وجل.
وأوصيكم بذي الرحم خيراً. وإياكم والحسد فإنه داعية القطيعة فيما بينكم. وأخوكم يعرب
أميني عليكم وخليفتي بينكم،
فاسمعوا له، وأطيعوا، واحفظوا وصيتي، واثبتوا عليها، واعملوا بها ترشدوا،ثم أنشأ يقول:
أبا يشجُبٍ أنتَ المرجى وأنتَ لي = أمينٌ على سِرِّيْ وجهريَ حافظُ
عليكَ بدينٍ ليسَ ينكرُ فضلُهُ = فقد سبقتْ فيهِ إليكَ المواعظُ
وواصلْ ذوي القُربى وحطهُمْ فإنَّهم =ملاذُكَ إن حامتْ عليكَ البواهظُ
ولفظُك عرِّبهُ بأحسنِ منطقٍ = فإنكَ مرهونٌ بما أنت لافظُ
وكُنْ كاتماً للغيظِ في كُلِّ بدوةٍ = إذا أُسِخطتْ تلك العيونُ الجواحظُ
بغيضٌ على الأعداء سراً وجهرةً =بحِلمِكَ ها تلك النفوس الغوائظُ
وما سادَ من قد شادَ إلا بحلمهِ = إذا لم يلاحِظهُ من البخلِ لاحظُ
فكن ذا حِجىً محضَ الشمائلِ =ماجداً حفيَّاً حمياً إنني لكَ واعظُ
هود النبي صلى الله عليه وسلم قد وصى بنيه، فقال لهم: يا بني أوصيكم بتقوى الله وطاعته والإقرار بالوحدانية له،
وأحذركم الدنيا، فإنها غرارة خداعة غير باقية عليكم ولا أنتم باقون عليها، فاتقوا الله الذي إليه تحشرون،
ولا يفتننكم الشيطان، إنه لكم عدو مبين.
قال: ثم أقبل على قومه عاد، يوصيهم بما وصى به بنيه، ويعظهم بما حكى الله عز وجل عنه، فقال: "
وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله " إلى قوله: "
ولا تتولوا مجرمين " . قال: فكان من ردهم عليه " يا هود ما جئتنا ببينه وما نحن بتاركي آلهتنا
عن قولك وما نحن لك بمؤمنين " . " وقالوا من أشدّ منّا قوة " إلى قوله: "
ولعذاب الآخرة أخرى وهم لا ينصرون " .
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن قحطان بن هود النبي صلى الله عليه وسلم
أنشد شعراً يسلّي به بعض ما كان فيه
هود النبي صلى الله عليه وسلم من الكآبة والجزع والقلق والارتماض والحرب على قومه عاد فقال: " البسيط "
إني رأيتُ أبي هوداً يؤرقهُ = همٌّ دخيلٌ وبلبالّ وتسهادُ
لا يحزننَّك أن خُصَّت بداهيةٍ =عادُ بن لاوى، فعادٌ بئسَ ما عادُ
عادٌ عصَوا ربَّهم واستكبروا وعتَوا = عمَّا نُهُوا عنهُ لا سادوا ولا قادوا
بُعداً لعادٍ فما أوهى حُلُومَهُمُ= في كلِ ما ابتدعوا أو كلِّ ما اعتادوا
قاموا يُعيدون عنهم من سَفَاهتهمْ= ركابها، أُهلِكوا أيام ما حادوا
ألا يظُنُّون أنَّ اللهَ غالبُهُمْ =وأنَّ كُلاً لأمرِ اللهِ ينقادُ
يا ليتَ شعريْ وليتَ الطَّيرَ تُخبرني = أسالمٌ ليَ لقمانٌ وشدَّادُ!
==============
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بتلك كنتم تغلبون الناس
وصايا الملوك وصية الحارث بن كعب
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن الحارث بن كعب
لما حضرته الوفاة أقبل على بنيه يوصيهم وهو يقول:
بنيَّ اهتدوا إني اهتديت سبيله= فأكرمُ هذا النَّاسِ من كانَ هاديا
عييتُ زماناً لستُ أعلمُ ما الهُدى = وقد كان ذاكُم ضِلَّة من ضَلاليا
فلمَّا أرادَ اللهُ رُشدِي وزُلفتيْ = أنارَ سبيلَ الحقّ لي وَهَدانِيا
فألقيتُ عنِّي الغَيَّ للرُّشدِ والهُدى = ويمَّمتُ نُوراً للحنيفةِ بادِيا
وصِرتُ إلى عِيسى بن مريمَ هادياً = رشيداً فسمَّاني المَسيحُ حَوَاريا
سعِدتُ بِهِ دهراً فلمَّا فقدتُهُ = فقدتُ يمينيْ بل فقدتُ شِماليا
بنيَّ اتقوا الله الَّذي هُوَ ربُّكُم =براكُم له فيما بَرَى وبرانيا
لِنعبُدهُ سُبحانَهُ دُونَ غيرهِ = ونستدفِعَ البلوى بهِ والدَّواهيا
ونُؤمِنَ بالإنجيلِ والصُّحُفِ الَّتي= بها يهتديْ من كانَ للوحيِ تاليا
بنيَّ صحِبتُ النَّاسَ ثم خَبَرتُهُمْ =وأفضلهُمْ ألفيتُ من كانْ واعِيا
وألفيتُ أسناهُم محلاًّ ومنصباً = رشيداً عن الفحشاءِ والإفكِ ناهيا
وألفيتُ أوهاهُمْ لدى كُلِّ أمرِهِ = مُضِلاً لضلالِ العَشيرةِ غَاويا
بنيَّ احفظوا للجارِ واجبَ حَقِّهِ =ولا تُسلِمُوا في النَّائِباتِ المواليا
وشُبُّوا على قُرعِ اليفاعةِ ناركُم = ليأتمَّها الضَّيفُ الذي باتَ طاويا
ولا تعتدُوا بالحربِ منْ لم يكُنْ لكُمْ =مِنَ النَّاس بالعُدوانِ والظُّلمِ بادِيا
ومهما زرعتُم يا بنيَّ فإنَّه =سيُحصَدُ نزراً كانَ أو كانَ زاكيا
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال: إن ولد الحارث بن كعب
لم يزل يحفظ وصيته ويعمل بها في الجاهلية والإسلام.
ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني الحارث
يوم وفدوا إليه للإسلام والدخول في الملَّة:
يا بني الحارث، بم كنتم تغلبون الناس يا أكثر العرب عدداً ولا عدداً؟
قالوا له: يا رسول الله، نحن قوم لا نبدأ أحداً بمظلمة،
فإذا أراد قوم ظلامتنا أو حربنا قلدناهم البغي،
وصبرنا على حربهم حتى يحكم الله بما هو حاكم.
(( فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: بتلك كنتم تغلبون الناس ))
وتقهرونهم،وهم الذين يقول فيهم الزبير بن عبد المطلب حيث يقول:
ولقد صحِبتُ النَّاس ثُمَّ خبرتُهُمْ = فوجدّتُ أكرمهُمْ بنيْ الذبيان
قومٌ إذا نزلَ الغرِيبُ بدارهِمْ = تركُوهُ أهلَ صواهِلٍ وقيانِ
لا ينكُثُونَ الأرضَ عِندَ سُؤالِهِمْ = لِتلمُّسِ العِلاَّتِ بالعيدانِ
بل يبسُطُونَ وُجوُههُم فَتَرى لها= عِندَ السُّؤالِ كأحسنِ الألوانِ
وإذا دعوتَهُمُ ليومِ كريهةٍ = سدُّوا شُعاعَ الشَّمسِ بالنِّيرانِ
تم كتاب الوصايا. والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطيبين
صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وافق كاتبه الفراغ عنه يوم الخميس بقيت من شهر جمادى الأولى من شهور سنة وأربعين وخمسمئة.
وفقه الله لما يرضيه، وجنَّبه معاصيه، وغفر له ولوالديه ولجميع المسلمين أجمعين.
ولمن قال آمين برحمته. والحمد لله حق حمده.