بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المهدي للرشاد الفاتح لعباده باب الرضوان والسّداد ، والصلاة والسلام على المرسل كافة للعباد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأمجاد .
وبعد : لا يخفى على المتتبع اللبيب أن العرب قبل الإسلام اعتنت بالأنساب وحفظتها بالرواية وكان الدافع الأهم عندهم لحفظ الأنساب وروايتها آنذاك ليحموا أنفسهم من الطعن بهم ، فتكون حصناً لجمعهم ووسيلة لانضمام شملهم وشد عرى أزرهم ، فكانوا يفتخرون بها ، فمن كانت مآثر آبائه أكثر كان ارفع عندهم نسباً ، فنلاحظ إن اغلب البيوتات وسمت بالشرف وقرنت بالفضل لذلك قيل : فلان في بيت نبوة ، وبيت إمامة ، وبيت علم ، وبيت شجاعة ، وبيت كرم ، لما سبق له من العروق المتناسبة فنسبت العلماء البيوتات وأعطتها الفضل والنجابة ،
ولكن العرب في جاهليتهم قد بالغوا في التفاخر بأنسابهم فيما بينهم وصارت عندهم نخوة في التفاخر بالآباء مما أدى إلى ارتفاع العصبية القومية الناتجة عن تفاضلهم وتفاخرهم .
إلى أن بزغ النور الإلهي في الأفق بظهور خاتم الأنبياء ورسول هذه الأمة حبيب إلهِ العالمين أبي القاسم محمد صل الله عليه وآله وسلم ، وانتشار الدين الإسلامي الحنيف فجعل الله تعالى التقوى مكرمة للإنسان فقال سبحانه (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم).
فصارت التقوى محل حمية الجاهلية ، والأكرم هو الاتقى وحارب الرسول الكريم صل الله عليه وآله وسلم نخوة الجاهلية وفخرها للآباء وكان القصد من محاربة النبي صل الله عليه وآله وسلم هو الوقوف ضد العصبية القومية لرفعها بين العرب فأصبحت علقة الإيمان بينهم أقوى سبباً من علقة نسبية .
وبعد استمرار ذرية الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم من سيدة نساء العالمين زهراء رسول الله (عليها وعلى أبيها أفضل السلام) ومولى الموحدين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ()، فجاءت الأهمية الكبرى في التحفظ على الذرية الطاهرة وذوي القربى النبوية الذين نزل في الكتاب التصريح بوجوب مودتهم على جميع المسلمين ووجوب إيصال الأخماس إليهم ومنع الصدقة عنهم إجلالا لهم.
ــــــــــــــــــــــــــ
فجاء بحثنا هذا ألا وهو (أهمية علم النسب) في خصوص هذا الفرع المحمدي الطاهر بكل فروع بني هاشم : الفاطمي والعلوي والطالبي والهاشمي وهي انساب آل بني هاشم .
وللتعرف على أهمية علم النسب الهاشمي جعلنا البحث على هيأة نقاط وأمور مهمة من خلالها تتبين لنا هذه الأهمية وتلكم الأمور هي :
1- النسب في القرآن الكريم .
2- النسب في أحاديث الرسول الأعظم (ص) .
3- علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا .
4- علم النسب علم مستقل كبقية العلوم .
5- علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن .
.
6- أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب .
7- ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الأول :النسب في القرآن الكريم :
قال سبحانه وتعالى (إنّا خَلَقنَاكُم من ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوباً وَقبائلَ لِتعارَفُوا)
فالتعارف الذي هو نتيجة جعلهم شعوبا وقبائل لا يحصل إلا بمعرفة أنسابهم حتى لا ينتسب احد إلى غير أبيه وقبيلته .
وقوله تعالى ( ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم )
والذرية : الذكور والإناث من الولد وولد الولد لأن الذريّة من ذرّ الله الخلق ، والذرية أولاد الابن وأولاد البنات ، وقد جعل الله تعالى عيسى (ع) من ذرية إبراهيم (ع) وهو من ولد البنات . وأصل الذّر إظهار الخلق بالإيجاد ،
وإن الله تعالى اصطفى آدم بالحسب ، واصطفى أولاده بالحسب والنسب، حيث قال ( ذرّيّة بعضها من بعض ) .
وقوله تعالى على لسان نبيه صل الله عليه وآله وسلم (وَأنذِر عَشِيرَتَكَ الاقربين).
هذا مضافا إلى الكثير من الآيات الكريمة التي تصرح وتشير بفضل أهل البيت (عليهم السلام) قال تعالى (قُلَ لا أسألُكُم عَلَيهِ أجراً إلا المودّة في القُربى)
وقوله تعالى (إنما يُريدُ اللهُ ليذهِبَ عنكُمُ الرّجس أهل البيتِ ويُطهّرَكُم تَطهِيراً)
وقوله تعالى (كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أصلُهَا ثابِتٌ وَفَرعُهَا في السّماءِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثاني : النسب في أحاديث الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم:
قال النبي الأعظم(ص) (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سبـبي ونسبي))
وقوله (ص) : ((تعلموا أنسابكم تصلوا (لتصلوا) أرحامكم))
وقوله (ص) : ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فان صلة الرحم محبة في الأهل ، ومثراة في المال ، ومنساة في الأثر)).
وقوله (ص) في حديث الاصطفاء : ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم)) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الثالث : علم النسب تم تدوينه وجمعه من القرون الأولى حتى عصرنا هذا :
أهمية علم النسب تظهر لدى المتفحص من خلال عملية تدوينه وجمعه من القرون الأولى من قبل العلماء بكافة طبقاتهم فمن مشاهير النسابين في القرن الأول وبداية القرن الثاني
أبي بكر عبد الله بن عثمان التيمي ، وعقيل بن أبي طالب (رض) ، فقد كان انسب قريش وأعلمهم، وأبي صالح ومحمد بن السائب الكلبي
فبادر العلماء منذ القرون الأولى لتدوين هذا العلم علماً مستقلا وكثر فيه التأليف غير أن أول من افرده بالتدوين هو
النسابة أبو المنذر هشام الكلبي المتوفى سنة 206هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر الرابع : علم النسب علم مستقل كبقية العلوم :
إن النسب علم كبقيةالعلوم الذي يلزم الكتابة فيه ما يلزم الكتابة في العلوم الأخرى من الدقة والحذر والتثبت من الحق والواقع وصياغة
الحقائق والتأكد من الرواية والراوي واكتشاف الصحة وعدمها ومعرفة الأدلة والبراهين والجرح والتعديل للاستعانة في مدلولاتها تمهيدا للوصول إلى نتيجة خالصة وبعيدة عن الضيق والتحيز وصافية من الشوائب .
فهذا العلم علم مستقل بذاته له فوائده ومصطلحاته ورموزه التي يفهمها المتضلع في هذا الفن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
الأمر الخامس : علم النسب والصفات المفروضة على صاحب هذا الفن :
تظهر أهمية هذا العلم واضحة من خلال الصفات التي دونها العلماء والمؤرخون في مصنفاتهم على صاحب هذا الفن فليس كل من له معرفة سطحية بهذا العلم له الحق أن يتصدى لمسائله وموضوعاته
فإضافة إلى صفة التقوى والصدق وقوة النفس التي يجب أن تكون متوفرة في أوصاف صاحب علم النسب فقد ذكر علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم انه يجب على صاحب هذا العلم أن يكون ملماً بعلم الرجال والحديث والفقه والأصول والمنطق والأخلاق لكي يكون رأيه
شرعياً ومبرءاً للذمة في حق السائل لما تتطلبه مسائل هذا العلم لان في النسب الهاشمي توجد مسائل دقيقة تتعلق بحياة الفرد فالعالم الشرعي في هذا الفن تكون له نظرة ثاقبة في تلكم المسائل والمواضيع .
الأمر االسادس : أقوال عدد من الأعلام وعلماء هذا الفن في أهمية علم النسب :
يعتبر علم الأنساب حسب الدراسات الأكاديمية شكل من أشكال التعبير التاريخي، وذلك لانه ليس امراً جديدا وانما هو قديم مستمد من المنهجية العربية القديمة ، فبأهميته هذه يعد أمرا لا يقل أهمية عن أي دراسة تاريخية فذكر هذه الأهمية العلماء قديماً وحديثاً .
نورد هنا بعض أقوال العلماء في أهمية هذا العلم :
(1) قال ابن الأثير الجزري في لبابه : ((وهو مما يحتاج طالب العلم إليه ويضطر الراغب في الاداب والفضل إلى التعويل عليه )) .
(2) قال أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي المتوفى 456هـ : ((فوجب بذلك إن علم النسب علمٌ جليلٌ رفيعٌ، إذ به يكون التعارف . .))
(3) قال أبو العباس احمد القلقشندي المتوفى سنة (821هـ) : ((مع مسيس الحاجة إليه في كثير من المهمات ودعائه الضرورة إلى معرفته في الجليل من الوقائع والملمات))
(4) قال العلامة والنسابة الشهير السيد جمال الدين احمد بن علي الحسني المعروف بابن عنبه والمتوفى سنة 828هـ في عمدته : ((أما بعد . . فان علم النسب علم عظيم المقدار ، ساطع الأنوار ؛ أشار الكتاب الإلهي إليه فقال سبحانه وتعالى (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وحث النبي الأمي عليه فقال : (تعلموا أنسابكم لتصوا أرحامكم) ، لا سيما نسب آل الرسول عليه السلام ، لوجوب توخيهم بالإجلال والإعظام كما وضح فيه البرهان ودل عليه القرآن . . . الخ )).
وهناك الكثير من أقوال العلماء في مقدمات مصنفاتهم فاكتفينا بهذا الذكر الذي مر آنفاً كمثال على أهمية هذا العلم ، ومن أراد الإطلاع أكثر فليراجع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأمر السابع : ضرورة علم النسب في وقتنا الحاضر :
من المعلوم لدى المتتبع أن أغلب مصنفات العلماء والمؤرخين في هذا الفن ذكرت أن هناك بعض الأسر في القرون الأولى ادعتّ الانتساب إلى النسب الهاشمي ، وتصدى العلماء في وقتها لبيان حقيقة أمر هذه الأُسر بين الصحيح منها وغير الصحيح . حتى كادت بعض عناوين المؤلفات توحي بما كان من هذا الأمر مثل كتاب
(غاية الاختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار) لمؤلفه تاج الدين بن زهرة على احد الأقوال الذي كان حياً سنة 753هـ،
وكتاب (صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) لأبي المعلي محمد سراج الدين المتوفى سنة 885هـ .
{ومن المعلوم أيضا انه ليست كل الأُسر التي ادعت الانتساب إلى الآل (عليهم السلام) غير صحيحة وإنها تدعي ما ليس من حقها لأن البعض من هذه الأسر لها أدلتها الشرعية ودلائل أخرى يمكن من خلالها البت في صحة انتمائها من قبل العالم النسابة المتخصص بفنه}
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
5- أنساب آل البيت في الوطن العربي والإسلامي .
وختاماً نوجه خطاباً لهذه الأُسر والقبائل والعشائر والبيوتات رعاهم الله تعالى على إن الاستمرار على هذا الأمر له عواقب سيئة ربما لا يدركها المدعي الآن ، وان هذا الامر ليس ايجابيا ولا احساناً كما يظنه البعض منهم بل هو إساءة لذرية الرسول الأعظم صل الله عليه وآله وسلم .
فانتبهأوا أيها المسلمون حفظكم الله تعالى إلى هذا الأمر فالقرآن الكريم يخاطب الناس بقوله (إنّ أكرَمَكُمَ عِندَ اللهِ اتقاكُم)، فهذه بعض التعاليم الربانية التي تدعو الناس إلى التسابق في التقوى والطاعة والعمل الصالح . والاعتماد على الانتساب إلى آل البيت النبوي غير مجدٍ ولا نافعٍ بعدما جاء قوله تعالى (وقل أعملوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسُولُهُ والمؤمنون)
وقوله تعالى : (يرفع الله الذينَ امنُوا منكم والذينَ أُوتوا العِلَم درجاتٍ)
وقوله تعالى : (والذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ اصحابُ الجنةِ هم فيها خالدون)
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم مغفرةٌ واجرٌ عظيم)
وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الذين امنوا منكم وعمِلُوا الصالحاتِ لَيَستَخلِفنَّهُم في الارضِ كما استخلف الذين من قبلهم)
وقوله تعالى : (الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لنُدخِلنَّهُم في الصالحين).
وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ لهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)
وقوله تعالى : (إلاَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ فلهم اجرٌ غيرُ ممنونٍ)
وقوله تعالى : (إنَّ الذين امنوا وعمِلُوا الصالحاتِ أولئكَ هم خَيرُ البريّةِ)
إلى غير هذا من الآيات المباركات التي تحث وتخص على العمل الصالح والتقوى.
نسأل المولى العلي القدير أن يزيل هذه الشبهة عن نفوسهم أنه سميع مجيب الدعاء
والحمد لله رب العالمين
بحث بقلم علي بن السيد حسين أبو سعيدة الموسوي