52الفارس الشاعرفهاد بن محسن بن عبود الظهيري السهلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


( 23 )


( ونشرب إن وردنا الماء صفواً .. "قدر الام عند الفرسان" )

ابداً هي سنة الله في خلقه .. تكتنف الحياة ظروف .. وشرور .. وتبقى جبال الرجال رؤوسها شامخةٌ راسخةٌ راسية .. وخصوصاً عندما تكون الام محورها ..

كان الملك عمرو بن هند ملك الحيرة جالسا يوما مع ندمائه ، فقال لهم : هل تعلمون أحدا من العرب ، تأنف أمه من خدمة أمي هند ، قالوا نعم ، ليلى أم عمرو بن كلثوم , فوالدها مهلهل بن ربيعة وعمها كليب وائل ..
فطلب الملك من عمرو بن كلثوم الحضور مع أمه لاكرامهما .. الى أنه كان اختبار .. لاذلالها .. فوقفت كل الشموخ .. وصاحت بولدها .. الذي إلتقط سيف الملك وهوى به على رأسه .. مات من ساعته .. ذلك كله من أجل أمه : قدرها وكرامتها ..وقال معلقته الشهيرة .. التي منها :



 

ونشرب ان وردنا الماء صفواً=ويـشــرب غـيـرنـا كــــدراً وطـيـنــا

عــلــى آثــارنــا بــيـــض حــســـان=نــحـــاذر ان تـقــســم او تــهــونــا

تـــهـــددنــــا وتـــوعـــدنــــا  رويــــــــــداً=مـــتـــى كـــنـــا لامــــــك  مـقـتـويــنــا

الا لا يـجـهــلــن أحـــــــد عـلــيــنــا=فنجهـل فــوق جـهـل الجاهليـنـا

ملأنـا الـبـر حـتـى ضــاق عـنـا=وظـهــر الـبـحـر نــمــلأه سـفـيـنـا

لنا الدنيا ومـن اضحـى عليهـا=ونبطـش حيـن نبطـش قادريـنـا

اذا بــلــغ الـفــطــام لــنـــا صــبـــي=تــخــر لــــه الـجـبـابـر سـاجـديـنــا

ومواقف الفرسان عظيمة تجاه أمهاتهم .. ومن ذلك موقف فارس نجد عرهان بن باتل السهلي تجاه أمه .. واختيار وتحديد الاطيب من الابل لها .. في مواجه فرسان نجد المغاويير .. في موقف يصعب في التفكير فما بالكم بالاختيار والتحديد ؟!!

كثيرا هي مواقفهم في ساحات الوغى يتذكر أمه .. صورتها في خياله .. كيانها .. لايغيب .. سَمَت في قلبه.. وعلا شأنها .. وقدرها ..

فـ مالنا لانتذكرها .. نحن .. ونحن في وقت الرخى ؟!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


( 24 )


( وألعب على المتنين وأقول ياياه .. )

وعن الام .. الكلام يطول .. والعواطف ضعيفة .. فـ هي التاريخ .. وهي الحياة .. من عصرها الأول .. وحتى آخر العصور .. وأجزم أن من فقد أمه .. عندما يتذكرها .. ينضب دمعه من كثرة البكاء .. ويضرب باليمين الشمال .. إن كان قد فرط في قليل من حقها .. ومن كان باراً بها .. يبكي لـ أن أحد ابواب الجنة الواسع قد أُقفل ..

ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال :
(يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ ، قال : أمك ، قال : ثم
من ؟ ، قال : أمك ، قال ثم من ؟ ، قال : أمك ، قال : ثم من ؟ ، قال : أبوك )

ومن روائع القصص .. وروائع الردود .. تلك القصة .. التي منها عنوان هذا المدخل .. ذلك أن أحدهم أراد خطبة إحدى النساء .. فـ اشترطت أن يكون لها بيتٌ وحدها .. بعيداً عنه أمه وأبيه .. وهما ليس لهما سواه .. فقال عندما وصله طلبها وشرطها :


 

علمـت ملهـوف الحـشـا مـرسـل لــي=رســــالـــــة مـــــــــا بــشــرتــنـــي  بــــلامـــــاه

يـبــي يـبـعـد مـنـزلـي عــــن هــــل لــــي=مـا أقبلـك يالمرسـول لانـتـه ولا إيــاه

أمــــي وأبــويــه مـالـهــم غــيـــر ظــلـــي=ولا أنت ياداف الحشى الظل تلقـاه

أمـــــي لــيـــا شــافـــت خـيــالــي  تـهــلــي=وألا الغضي لاشاف غيري تاحلاه

أربـــع سـنـيـن وصـدرهــا عـيـشـة لـــي=والـعـب عـلـى المتنـيـن وأقــول يـايـاه

وأبـوي مالـه عــن سـنـا القـيـظ ظـلـي=وألا الـغـضــي لادور الــظـــل يـلــقــاه

ياه : مفردة نداء للام .. عند البادية ..

ذلك لـ أن الام كل مشاعرنا .. هي : من تغرس الحب في نفوسنا .. حتى تعلمنا الحب والانتماء .. تعلمنا عاطفة الدنيا .. وأمل الحياة .. تعلمنا الاحتواء والدفء والابتسامة .. كل ذلك منها .. فـ كانت وطننا الابدي .. جنة الدنيا والاخرة ..