محاسن الدهاء والحيل
قال الهيثم بن الحسن بن عمار : قدم سنيح من خزاعة أيام المختار فنزل على عبد الرحمن بن إبان الخزاعي ، فلما رأى ما تصنع سوقة المختار من الأعظام جعل يقول : يا عباد الله أبا المختار يصنع هذا والله لقد رأيته يتتبع الإماء بالحجاز فبلغ ذلك المختار فدعا به وقال : ما هذا الذي بلغني عنك . قال : الباطل ، فأمر بضرب عنقه . فقال : لا والله لا تقدر على ذلك ، قال : ولم ؟ قال : أما دون أن أنظر إليك وقد هدمت مدينة دمشق حجراً حجراً وقتلت المقاتلة وسبيت الذرية ثم تصلبني على شجرة على نهر والله إني لأعرف الشجرة الساعة وأعرف شاطئ ذلك النهر . فالتفت المختار إلى أصحابه فقال لهم : إن الرجل قد عرف الشجرة فحبس حتى إذا كان الليل بعث إليه فقال : يا أخا خزاعة أو مزاج عند القتل ؟ قال : أنشدك الله أن أقتل ضياعاً ، قال : وما تطلب ههنا ؟ قال : أربعة آلاف درهم أقتضي بها ديني . قال : ادفعوها إليه وإياك أن تصيح بالكوفة . فقبضها وخرج عنه . وعنه قال سراقة البارقي من ظرفاء أهل الكوفة فأسره رجل من أصحاب المختار فأتى به المختار فقال له : أسرك هذا ؟ قال سراقة : كذب والله ما أسرني إلا رجل عليه ثياب بيض على فرس أبلق . فقال المختار : إلا أن الرجل قد عاين المائكة ضلوا سبيله . فلما أفلت منه أنشأ يقول : ألا أبلغ أبا إسحاق إني . . . رأيت البلق دهما مصمتات أري عين ما لم ترأياه . . . كلانا عالم بالترهات كفرت يوحيكم وجعلت نذراً . . . علي قتالكم حتى الممات وعنه قال : كان الأحوص بن جعفر المخزومي يتغذى في دير اللج في يوم شديد ومعه حمزة بن بيض وسراقة البارقي ، فلما كان على ظهر الكوفى وعليه الوبر والخز وعليهما الأطمار قال حمزة لسراقة : أين يذهب بنا في البرد ونحن في أطمار ؟ قال :
سأكفيكه . فبينما هو يسير إذ دنا منهم راكب مقبل فحرك سراقة دابته نحوه وواقفه ساعة ولحق بالأحوص ، فقال له : ما خبرك الراكب ؟ قال : زعم أن فوارج خرجت بالقطقطانة . قال : بعيد . قال : إن الخوارج تسير في ليلة ثلاثين فرسخاً وأكثر . وكان الأحوص أحد الجبناء فثنى رأس دابته وقال : ردوا طعامنا نتغذى في المنزل . فلما حاذى منزله قال لأصحابه : ادخلوا . ومضى إلى خالد بن عبد الله القسري فقال : خرجت خارجة بالقطقطانة . فنادى خالد في العسكر فجمعهم ووجه خيلاً تركض نحو اللج لتعرف الخبر فأعلموه أنه لا أصل للخبر . فقال للأحوص : من أعلمك بهذا ؟ قال : سراقة . قال : وأين هو ؟ قال : في منزلي ، فأرسل إليه من أتاه به . قال : أنت أخبرته عن الخارجة ؟ قال : ما فعلت أصلح الله الأمير ، قال له الأحوص : أتكذبني بين يدي الأمير ، قال خالد : ويحك أصدقني . قال : نعم أخرجنا في هذا البرد وقد ظاهر الخز والوبر ونحن في أطمارنا هذه فأحببت أن أرده ، فقال له خالد : ويحك وهذا مما يتلاعب به ، وسراقة هذا هو القائل : قالوا سراقة عنين فقلت لهم . . . الله أعلم أني غير عنين فإن ظننتم بي الشيء الذي زعموا . . . فقربوني من بنت ابن ياسين وذكروا : إن شبيب بن يزيد الخارجي مر بغلام مستنقع في الفرات فقال له : يا غلام أخرج إني أسألك ، فعرفه الغلام فقال له : إني أخاف . أفآمن أنا إذا خرجت حتى ألبس ثيابي : قال : نعم ، فخرج وقال : والله لا ألبسها اليوم . فضحك شبيب وقال : خدعتني ورب الكعبة ووكل به رجلاً من أصحابه يحفظه إلا يصيبه أحد بمكروه . قال : وكان رجل من الخوارج يقول : فمنا يزيد والبطين وقعنب . . . ومنا أمير المؤمنين شبيب فسار البيت حتى سمعه عبد الملك بن مروان فأمر بطلب قائله فأتي به ، فلما وقف بين يديه قال : أنت القائل : ومنا أمير المؤمنين شبيب . . . قال : لم أقل هكذا يا أمير المؤمنين إنما قلت : ومنا أمير المؤمنين شبيب .
فضحك عبد الملك وأمر بتخليه سبيله ، فتخلص بدهائه وفطنته لإزالة الأعراب من الرفع إلى النصب . وزعموا أن عمرو بن معدي كرب هجم في بعض غاراته على شابة جميلة منفردة وأخذها فلما أمعن بها بكت . فقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لفراقي بنات عمي هن مثلي في الجمال وأفضل مني خرجت معهن فانقطعنا عن الحي ، قال : وأين هن ؟ قال : خلف ذلك الجبل ، ووددت إذ أخذتني أنك أخذتهن معي فامض إلى الموضع الذي وصفته فمضى إلى هنالك ، فما شعر بشيء حتى هجم على فارس شاك في السلاح فعرض عليه المصارعة فصارعه الفارس ، ثم عرض عليه ضروباً من المناوشة فغلبه الفارس في كلها . فسأله عمرو عن اسمه فإذا هو ربيعة بن مكرم الكناني فاستنقذ الجارية . وعن عطاء أن مخارق بن عفان ومعن بن زائدة تلقيا رجلاً ببلاد الشرك ومعه جارية لم يريا أحسن منها شباباً وجمالاً ، فصاحا به خل عنها ، ومعه قوس فرمى بها وهابا الإقدام عليه ، ثم عاد ليرمي فانقطعت وتره وسلم الجارية وأسند في جبل كان قريباً منه فابتدراه وأخذا الجارية ، وكان في أذنها قرط فيه درة فانتزعاه من أذنها ، فقالت ، وما قدر هذه لو رأيتما درتين معه في قلنسوته وفي القلنسوة وتر قد أعده ونسيه من الدهش . فلما سمع قول المرأة ذكر الوتر فأخذه وعقده في قوسه ، فوليا ليست لهما همة إلا الالتجاء وخليا عن الجارية . وعن الهيثم قال : كان الحجاج حسوداً لا يتم له صنيعة حتى يفسدها فوجه عمارة بن تميم اللخمي إلى عبد الرحمن محمد بن الأشعث فظفر به وصنع ما صنع ، ورجع إلى الحجاج بالفتح ولم ير منه ما أحب وكره منافرته ، وكان عاقلاً رفيقاً فجعل يرفق به ويقول : أيها الأمير أشرف العرب ، أنت من شرفته شرف ، ومن وضعته أتضع ، وما ينكر ذلك مع رفقك ويمنك ومشورتك ورأيك ، وما كان هذا كله إلا بصنع الله وتدبيرك وليس أحد أشكر لبلائك مني ومن ابن الأشعث ، وما خطره حتى عزم الحجاج على المسير إلى عبد الملك ، فأخرج عمارة معه وعمارة يومئذ على أهل فلسطين أمير ، فلم يزل يلطف بالحجاج في مسيره ويعظه حتى قدموا على عبد الملك ، فلما قامت الخطباء بين يديه وأثنت على الحجاج قام عمارة فقال : يا أمير المؤمنين سل الحجاج عن طاعتي ومناصحتي وبلائي ، قال الحجاج : يا أمير المؤمنين صنع وصنع ومن بأسه ونجدته وعفافه كذا وكذا وهو أيمن الناس نقيبة
وأعلمهم بتدبير السياسة ولم يبق في الثناء عليه غاية . فقال عمارة : قد رضيت يا أمير المؤمنين ، قال : نعم فرضي الله عنك حتى خالها ثلاثاً في كلها يقول قد رضيت ، قال عمارة : فلا رضي الله عن الحجاج يا أمير المؤمنين ولا حفظه ولا عافاه فهو والله السئ التدبير الذي قد أفسد عليك أهل العراق وألب الناس عليك وما أتيت إلا من قبله ومن قلة عقله وضعف رأيه وقلة بصره بالسياسة ، فلك والله أمثالها إن لم تعزله ، فقال الحجاج : مه يا عمارة ، فقال : إني أعلم أنه ما خرج هذا منك إلا عن معتبة ولك عندي العتبى وأرسل إليه ، فقال : ما كنت أظن أن عقلك على هذا أرجع إليه بعد الذي كان من طعني عليه وقولي عند أمير المؤمنين ما قلت فيه : لا ولا كرامة .
ضده
قيل : هو أحمق من عجل ، وهو عجل بن لجيم ، وذلك إنه قيل له : ما سميت فرسك ؟ ففقأ عينه وقال : سميته الأعور ، فقال الشاعر فيه : رمتني بنو عجل بداء أبيهم . . . وأي امرئ في الناس أحمق من عجل أليس أبوهم عار عين جواده . . . فصارت به الأمثال تضرب في الجهل وقيل : هو أحمق من هبنقة ، وبلغ من خمقه أنه ضل له بعير فجعل ينادي : من وجد بعيري فهو له ، فقيل له : ولم تنشره ؟ قال : وأين حلاوة الظفر والوجدان ؟ واختصمت إليه الطفاوة وبنو راسب في رجل ادعى هؤلاء ، وهؤلاء فيه فقالوا : انظروا بالله من طلع علينا ؟ فلما دنا قصوا عليه القصة فقال هبنقة : الحكم في هذا بين ، اذهبوا به إلى نهر البصرة فألقوه فيه ، فإن كان راسبياً رسب ، وإن كان طفاوياً طفا . فقال الرجل : أريد أن أكون من أحد هذين الحيين ولا حاجة لي في الديوان . وقيل : هو أحمق من دغة وهي مارية بنت مغنج تزوجت في بني العنبر وهي صغيرة فلما ضربها المخاض ظنت أنها تريد الخلاء فخرجت
تتبرز فصاح الولد فجاءت منصرفة ، فصاحت : يا أماه هل يفتح الجعر فاه ؟ قالت : نعم ، ويدعو أباه ، فسبت بنو العنبر بذلك ، فقيل : بنو الجعراء . وقيل : هو أحمق من باقل ، وكان اشترى عنزاً بأحد عشر درهماً فسئل بكم اشتريت الهنز ؟ ففتح كفيه وفرق أصابعه وأخرج لسانه ، يريد أحد عشر درهماً فعيروه بذلك ، قال الشاعر : يلومون في حمقه بالقلا . . . كأن الحماقة لم تخلق فلا تكثروا العذل في عيه . . . فللصمت أجمل بالأموق خروج اللسان وفتح البنان . . . أحب إلينا من المنطق ومما قيل أيضاً من الشعر فيه : يا ثابت العقل كم عاينت ذا حمق . . . الرزق أغرى به من لازم الجرب فأنني واجد في الناس واحدة . . . الرزق أروغ شئ عن ذوي الأدب وخصلة ليس فيها من يخالفني . . . الرزق والنوك مقرونان في سبب وقال آخر : أرى زمناً نوكاه أسعد خلقه . . . على أنه يشقى به كل عاقل علا فوقه رجلاه والرأس تحته . . . فكب الأعالي بارتفاع الأسافل وقال آخر : كم من قوي قوي في تقلبه . . . مهذب اللب عند الرزق منحرف ومن ضعيف ضعيف العقل مختلط . . . كأنه من خليج البحر يغترف
محاسن المفاخرة
قال رسول الله صلى لله عليه وسلم : أنا سيد ولد آدم ولا فخر . وسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) رجلاً بيتاً من الشعر : إني امرؤ حميرى حين تنسبني . . . لا من ربيعة آبائي ولا مضر فقال له : ذلك ألأم لك وأبعد عن الله ورسوله ، وقال بعضهم : إذا مضر الحمراء كانت أرومتي . . . وقام بنصري خازم وابن خازم عطست بأنف شامخ وتناولت . . . يداي الثريا قاعداً غير قائم شعيب بن إبراهيم عن علي بن يزيد عن عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب ابن ربيعة قال : مر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بنفر من قريش وهم يقولون إنما محمد من أهله مثل نخلة نبتت في كناسة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى لله عليه وسلم فوجد منه فخرج حتى قام فيهم خطيباً ثم قال : أيها لناس ، من أنا ؟ قالوا : أنت رسول الله . قال : أفأنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ، إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلني من خير خلقه ثم جعل الخلق الذي أنا منهم فريقين فجعلني من خير الفريقين من خلقه ، ثم جعل الخلق الذي أنا منهم شعوباً فجعلني في خيرهم شعباً ، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتاً فأنا خيركم بيتاً وخيركم والداً وإني مباه لكم . قم يا عباس فقام عن يمينه ، ثم قال : قم يا سعد فقام عن يساره فقال : يقرب امرؤ منكم عماً مثل هذا وخالاً مثل هذا . وحدثنا سنان بن الحسن التستري عن إسماعيل بن مهران العسكري عن إبان بن عثمان عن عكرمة عن ابن عباس رحمهما الله تعالى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : لما أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أن يعرض نفسه على القبائل خرج وأنا معه وأبو بكر وكان عالماً بأنساب العرب فوقفنا على مجلس من مجالس العرب عليهم الوقار والسكينة ، فتقدم أبو بكر فسلم عليهم فردوا عليه السلام فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من ربيعة . قال : من هامتها أم لهازمها ؟ قالوا : بل من هامتها العظمى . قال : وأي هامتها ؟
قالوا : ذهل . قال : ذهل الأكبر أم ذهل الأصغر ؟ قالوا : بل الأكبر . قال : فمنكم عوف الذي كان يقال لأحر بوادي عوف ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء ومنتهى الأحياء ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم جساس بن مرة حامي الذمار ومانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم المزدلف صاحب العمامة ؟ قالوا : لا . قال : أفأنتم أخوال الملوك من كندة ؟ قالوا : لا . قال : أفأنتم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا . قال : فلستم من ذهل الأكبر إذا أنتم من ذهل الأصغر . فقام إليه أعرابي غلام حسن بقل وجهه فأخذ بزمام ناقته ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) واقف على ناقته يسمع مخاطبته فقال : لنا على سائلنا أن نسأله . . . والعبء لا تعرفه أو تحمله يا هذا إنك قد سألتنا أي مسألة شئت فلم نكتمك شيئاً فأخبرنا ممن أنت ؟ فقال أبو بكر : من قريش . فقال : بخ بخ أهل الشرف والرياسة فأخبرني من أي قريش أنت ؟ قال : من بني تميم بن مرة . قال : أفمنكم قصي بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر فكان له مجمع ؟ قال أبو بكر : لا . قال : أفمنكم هاشم الذي يقول فيه الشاعر : عمرو العلى هشم الثريد لقومه . . . ورجال مكة مسنتون عجاف قال أبو بكر : لا . قال : أفمنكم شيبة الحمد الذي كان وجهه يضئ في الليلة الداجية مطعم الطير ؟ قال : لا . قال : أفمن المضيفين بالناس أنت . قال : لا . قال : أفمن أهل الرفادة أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا . قال : أما والله لو شئت لأخبرتك لست من أشراف قريش ، فاجتذب أبو بكر زمام ناقته كهيئة المغضب فقال الأعرابي : صادف در السيل در يدفعه . . . في هضبة ترفعه وتضعه فتبسم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) . قال علي كرم الله وجهه : فقلت : يا أبا بكر لقد وقعت من هذا الأعرابي على باقعة . قال : أجل يا أبا الحسن ، ما من طامة إلا وفوقها طامة وإن البلاء موكل بالمنطق . قال : وأتى الحسن ابن علي رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان وقد سبقه ابن العباس رحمه الله فأمر معاوية بإنزاله فبينا معاوية مع عمرو بن
العاص ومروان بن الحكم وزياد المدعى إلى أبي سفيان يتحاورون في قديمهم ومجدهم إذ قال معاوية : قد أكثرتم الفخر ولو حضركم الحسن بن علي وعبد الله بن عباس لقصروا من أعنتكم ، فقال زياد : وكيف ذاك يا أمير المؤمنين وما يقومان لمروان ابن الحكم في غرب منطقه ولا لنا في بواذخنا فابعث إليهما حتى نسمع كلامهما . فقال معاوية لعمرو : ما تقول في هذا الليل فابعث إليهما في غد ، فبعث معاوية بابنه يزيد إليهما فأتيا فدخلا عليه وبدأ معاوية فقال : إني أجلكما وأرفع قدركما على المسامر بالليل ولا سيما أنت يا أبا محمد فأنك ابن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسيد شباب أهل الجنة . فشكر له ، فلما استويا في مجلسهما علم عمرو أن الحدة ستقع به فقال : والله لابد أن أتكلم فإن قهرت فسبيل ذلك وإن قهرت أكون قد ابتدأت . فقال يا حسن أنا قد تفاوضنا فقلنا إن رجال بني أمية أصبر على اللقاء وأمضى في الوغاء وأوفى عهداً وأكرم ضيماً وأمنع لما وراء ضهورهم من بني عبد المطلب ، ثم تكلم مروان بن الحكم فقال : كيف لا يكون ذلك وقد قارعناهم فغلبناهم وحاربناهم فملكناهم فإن شئنا عفونا وإن شئنا بطشنا . ثم تكلم زياد فقال : ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله ويجحدوا الخير في مظانه نحن الحملة في الحروب ولنا الفضل على سائر الناس قديماً وحديثاً ، فتكلم الحسن بن علي رضي الله عنه فقال : ليس من الحزم أن يصمت الرجل عن إيراد الحجة ولكن من الأفك أن ينطق الرجل بالخنا ويصور الكذب في صورة الحق يا عمرو افتخاراً بالكذب وجراءة على الأفك ما زلت أعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرة بعد مرة أتذكر مصابيح الدجى وأعلام الهدى وفرسان الطراد وحتوف الأقران وأبناء الطعان وربيع الضيفان ومعدن العلم ومهبط النبوة ؟ وزعمتم أنكم أحمى لما وراء ظهوركم وقد تبين ذلك يوم بدر حين نكصت الأبطال وتساورت الأقران واقتحمت الليوث ، واعتركت المنية وقامت رحاها على قطبها ، وفرت عن نابها ، وطار شرار الحرب ، فقتلنا رجالكم ومن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) على ذرايكم ، وكنتم لعمري في هذا اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطلب ثم قال : وأما أنت يا مروان فما أنت والإكثار في قريش وأنت ابن طليق وأبوك طريد تتقلب في خزاية إلى سوءة ، وقد أتى بك إلى أمير المؤمنين يوم الجمل ،
فلما رأيت الضرغام قد دميت براثنه ، واشتبكت أنيابه كنت كما قال الأول : بصبصن ثم رمين بالأبعار فلما من عليك بالعفو وأرخى خناقك بعد ما ضاق عليك وغصصت بريقك لا تقعد منا مقعد أهل الشكر ولكن تسوينا وتجارينا ، ونحن من لا يدركنا عار ولا يلحقنا خزاية ، ثم التفت إلى زياد وقال : وما أنت يا زياد وقريش ما أعرف لك فيها أديماً صحيحاً . ولا فرعاً نابتاً ولا قديماً ثابتاً ولا منبتاً كريماً ، كانت أمك بغياً يتداولها رجالات قريش وفجار العرب ، فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادعاك هذا - يعني معاوية - فما لك والافتخار ؟ تكفيك سمية ويكفينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأبي سيد المؤمنين الذي لم يرتد على عقبيه وعماي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة ، وأنا وأخي سيدا شباب أهل الجنة ، ثم التفت إلى ابن العباس فقال : إنما هي بغاث الطير انقض عليها البازي ، فأراد ابن العباس أن يتكلم فأقسم عليه معاوية أن يكف فكف ، ثم خرجا ، فقال معاوية : أجاد عمرو الكلام أولا لولا أن حجته دحضت ، وقد تكلم مروان لولا أنه نكص ثم التفت إلى زياد فقال : ما دعاك إلى محاورته ما كنت إلا كالحجل في كف العقاب . فقال عمرو : أفلا رميت من ورائنا ؟ قال معاوية : إذا كنت شريككم في الجهل أفأفاخر رجلاً ، رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) جده وهو سيد من مضى ومن بقي وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ثم قال لهم : والله لئن سمع أهل الشام ذلك أنه للسوءة السواء . فقال عمرو : لقد أبقى عليك ولكنه طحن مروان وزياداً طحن الرحى بثفالها ووطئهما وطئ البازل القراد بمنسمه ، فقال زياد : والله لقد فعل ولكنك يا معاوية تريد الإغراء بيننا وبينهم لا جرم والله لا شهدت مجلساً يكونان فيه إلا كنت معهما على من فاخرهما ، فخلا ابن عباس بالحسن رضي الله عنه فقل بين عينيه وقال : أفديك بابن عمي والله ما زال بحرك يزخر وأنت تصول حتى شفيتني من أولاد البغايا . ثم إن الحسن رضي الله عنه غاب أياماً ثم رجع حتى دخل علي معاوية وعنده عبد الله بن الزبير . فقال معاوية : يا أبا محمد إني أظنك تعباً نصباً فأت المنزل فأرح نفسك ، فقام الحسن رضي الله عنه ، فخرج ،
فقال معاوية لعبد الله بن الزبير : لو افتخرت على الحسن فأنت ابن حواري رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وابن عمته ولأبيك في الإسلام نصيب وافر ، فقال ابن الزبير : أنا له . ثم جعل ليلته يطلب الحجج فلما أصبح دخل على معاوية وجاء الحسن رضي الله عنه فحياه معاوية وسأله عن مبيته فقال : خير مبيت وأكرم مستفاض ، فلما استوى في مجلسه قال له ابن الزبير : لولا أنك خواراً في الحروب غير مقدام ما سلمت لمعاوية الأمر وكنت لا تحتاج إلى اختراق السهول وقطع المراحل والمفاوز تطلب معروفه وتقوم ببابه وكنت حرياً أن لا تفعل ذلك وأنت ابن علي في بأسه ونجدته ، فما أدري ما الذي حملك على ذلك ؟ أضعف حال أم وحي نحيزه ؟ ما أظن لك مخرجاً من هذين الحالين أما والله لو استجمع لي ما استجمع لك لعلمت أنني ابن الزبير وأنني لا أنكص عن الأبطال ، وكيف لا أكون كذلك وجدتي صفية بنت عبد المطلب وأبي الزبير حواري رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وأشد الناس بأساً وأكرمهم حسباً في الجاهلية ، وأطوعهم لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ فالتفت الحسن إليه وقال : أما والله لولا أن بني أمية تنسبني إلى العجز عن المقال لكففت عنك تهاوناً بك ، ولكن سأبين ذلك لتعلم أني لست بالكليل . أإياي تعير وعلي تفتخر ، ولم تك لجدك في الجاهلية مكرمة أن لا تزوجه عمتي صفية بنت عبد المطلب فبذخ بها على جميع العرب وشرف بمكانها ، فكيف تفاخر من في القلادة واسطتها وفي الأشراف سادتها ؟ نحن أكرم أهل الأرض زنداً ، لنا المشرق الثاقب والكرم الغالب ، ثم تزعم أني سلمت الأمر لمعاوية فكيف يكون ؟ ويحك كذلك وأنا ابن أشجع العرب ولدتني فاطمة سيدة النساء وخيرة الأمهات لم أفعل ويحك ذلك جبناً ولا فرقاً ، ولكنه بايعني مثلك وهو يطلب يثرة ويداجيني المودة قلم أثق بنصرته لأنك بيت غدر وأهل إحن ووتر ، فيكف لا تكون كما أقول ؟ وقد بايع أمير المؤمنين أبوك ثم نكث بيعته ونكص على عقبيه واختدع حشية من خشايا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليضل بها الناس ، فلما دلف نحو الأعنة ورأى بريق الأسنة قتل بمضيعة لا ناصر له وأتى بك أسيراً ، وقد وطئتك الكماة بأظلافها والخيل بسنابكها واعتلاك الأشتر فغصصت بريقك واقعيت على عقبيك كالكلب إذا احتوشته الليوث ، فنحن ويحك نور البلاد وأملاكها وبنا تفتخر الأمة وإلينا تلقى مقاليد الأزمة ،
نصول وأنت تختدع النساء ثم تفتخر على بني الأنبياء لم تزل الأقاويل منا مقبولة وعليك وعلى أبيك مردودة دخل الناس في دين جدي طائعين وكارهين ، ثم بايعوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه فسار إلى أبيك وطلحة حيث نكثا البيعة وخدعا عرس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقتلا عند نكثهما بيعته وأتي بك أسيراً تبصبص بذنبك فناشدته الرحم أن لا يقتلك فعفا عنك ، فأنت عتاقة أبي وأنا سيدك وأبي سيد أبيك ، فذق وبال أمرك ، فقال ابن الزبير : أعذرنا يا أبا محمد فإنما حملني على محاورتك هذا واشتهى الإغراء بيننا فهلا إذ جهلت أمسكت عني فإنكم أهل بيت سجيتكم الحلم ، قال الحسن : يا معاوية أنظر ، أأكع عن محاورة أحد ويحك ؟ أتدري من أي شجرة أنا وإلى من أنتمي ؟ انته عني قبل أن اسمك بسمة يتحدث بها الركبان في آفاق البلدان ، قال ابن الزبير : هو لذلك أهل ، فقال : معاوية أما إنه قد شفا بلابل صدري منك ورمى فقتلك فبقيت في يده كالحجل في كف البازي بك كيف شاء ، فلا أراك تفتخر على أحد بعد هذا . وذكروا أن الحسن بن علي صلوات الله عليهما دخل على معاوية فقال في كلام جرى من معاوية في ذلك : فتخر الأمة وإلينا تلقى مقاليد الأزمة ، نصول وأنت تختدع النساء ثم تفتخر على بني الأنبياء لم تزل الأقاويل منا مقبولة وعليك وعلى أبيك مردودة دخل الناس في دين جدي طائعين وكارهين ، ثم بايعوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه فسار إلى أبيك وطلحة حيث نكثا البيعة وخدعا عرس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقتلا عند نكثهما بيعته وأتي بك أسيراً تبصبص بذنبك فناشدته الرحم أن لا يقتلك فعفا عنك ، فأنت عتاقة أبي وأنا سيدك وأبي سيد أبيك ، فذق وبال أمرك ، فقال ابن الزبير : أعذرنا يا أبا محمد فإنما حملني على محاورتك هذا واشتهى الإغراء بيننا فهلا إذ جهلت أمسكت عني فإنكم أهل بيت سجيتكم الحلم ، قال الحسن : يا معاوية أنظر ، أأكع عن محاورة أحد ويحك ؟ أتدري من أي شجرة أنا وإلى من أنتمي ؟ انته عني قبل أن اسمك بسمة يتحدث بها الركبان في آفاق البلدان ، قال ابن الزبير : هو لذلك أهل ، فقال : معاوية أما إنه قد شفا بلابل صدري منك ورمى فقتلك فبقيت في يده كالحجل في كف البازي بك كيف شاء ، فلا أراك تفتخر على أحد بعد هذا . وذكروا أن الحسن بن علي صلوات الله عليهما دخل على معاوية فقال في كلام جرى من معاوية في ذلك : فيم الكلام وقد سبقت مبرزا . . . سبق الجواد من المدى والمقوس . فقال معاوية ، إياي تعني ؟ والله لآتينك بما تعرفه قلبك ولا ينكره جلساؤك ، أنا ابن بطحاء مكة ، أنا ابن أجودها جوداً وأكرمها أبوة وجدوداً وأوفاها عهوداً ، أنا ابن من ساد قريشاً ناشئاً . فقال الحسن : أجل إياك أعني ، افعلي تفتخر يا معاوية وأنا ابن ماء السماء وعروق الثرى وابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثاقب والشرف الفائق والقديم السابق وابن من رضاه رضى الرحمن وسخطه سخط الرحمن فهل لك أب كأبي وقديم كقديمي ، فإن تقل : لا تغلب ، وإن تقل : نعم تكذب ، فقال : أقول ، لا تصديقاً لقولك ، فقال الحسن رضي الله عنه : ألحق أبلج لا تزيغ سبيله . . . والحق يعرفه ذوو الألباب قال : وقال معاوية ذات يوم ، وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم : أخبروني
بأكرم الناس أباً وأماً وعماً وعمة وخالاً وخالة وجداً وجدة ، فقام مالك بن عجلان ، وأومأ إلى الحسن ابن علي صلوات الله عليه ، فقال : هو ذا أبوه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعمه جعفر الطيار ، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب ، وخاله القاسم ابن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وخالته زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وجدته خديجة بنت خويلد . فسكت القوم ، ونهض الحسن ، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال : أحب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل ؟ فقال ابن عجلان : ما قلت إلا حقاً ، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق لا لم يعط أمنيته في دنياه ، وختم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنضركم عوداً وأوراكم زنداً ، أكذلك هو معاوية ؟ قال : اللهم نعم . قال : واستأذن الحسن ابن علي رضي الله عنه على معاوية ، وعنده عبد الله بن جعفر وعمرو ابن العاص ، فأذن له ، فلما أقبل قال عمرو : قد جائكم الفهه العيي الذي كان بين لحييه وعقله ، فقال عبد الله بن جعفر : مه ، والله لقد رمت صخرة ململمة تنحط عنها السيول ، وتقصر دونها الوعول ، لا تبلغها السهام ، فإياك والحسن إياك ، فإنك لا تزال راتعاً في لحم رجل من قريش ، ولقد رميت فما برح سهمك ، وقدحت ، فما أورى زندك . فسمع الحسن الكلام ، فلما أخذ مجلسه قال : يا معاوية لا يزال عندك عبد يرتع في لحوم الناس ، أما والله لئن شئت ليكونن بيننا ما تتفاقم فيه الأمور ، وتحرج منه الصدور ثم أنشأ يقول : أتأمر يا معاوي عبد سهم . . . بشتمي والملا منا شهود إذا أخذت مجالسها قريش . . . فقد علمت قريش ما تريد أ أنت تظل تشتمني سفاهاً . . . لضغن ما يزول ولا يبيد فهل لك من أب كأب تسامي . . . به من قد تسامي أو تكيد ولا جد كجدي يا بن حرب . . . رسول الله إن ذكر الجدود ولا أم كأمي من قريش . . .
_________________ تــوقــيـع
|
رجــواي بالله مــارجيت الحاكم = لــوهو مــلك الــمملكه ســلماني كيف أرتجي مخلوق حالي حاله = مــايــمــتكن ردالــقــدرلاحــاني لاكــن له الطاعه قديم وحاضر = مــانخلع الطاعه مثل الإخواني رجــواي بالله مارجيت العصبه = الــعصبه الــلي شانهم لي شاني رجــواي فــي للي لاأمرسبحانه = ســبحان من أمره يكون وكاني عــزًزني الله والــزياده عــندي = إســم الله الأعــظم هوالرحماني عاصي الشــعراء العلياني أنت الزائر |