يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه تسلق داراً ليجد رجلاً وامرأة وشراباً، فقال عمر: يا عدو الله أظننت أن الله تعالى يسترك وأنت على معصيته، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن كنت عصيت الله واحدة فقد عصيته أنت ثلاثاً، فقد قال الله تعالى: “ولا تجسسوا” وقد تجسست، وقال: “وأتوا البيوت من أبوابها” وقد تسورت الحائط، وقال: “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها” وأنت ما سلمت، فقال عمر: فهل عندكم منه خير إن عفوت عنك، قال: نعم. فعفا عنه عمر وخرج وتركه.
(1)
هل نحن شعب يتلذذ بالفضيحة، ويعشق المصائب، ويطاردها أينما حلّت؟
ما إن تنطلق صفارات سيارات الإطفاء، حتى تنطلق وراءها عشرات السيارات، بحثا عن المصيبة / الحريقة. ما إن يحدث تصادم بين سيارتين حتى تجد عشرات السيارات تحيط بالحادث ليتفرج أصحابها على أشلاء الضحايا.. ليذهبوا بعدها إلى أقرب جلسة / مقهى / استراحة ويتحدثون بالتفصيل الممل والمقزز عما رأوه.. بل يتبرع أحدهم بابتكار إضافة “تملّح” الحكاية في آذان المستمعين!
نتبارى في منتدياتنا الإلكترونية: من يسبق الآخر بنشر “الفضيحة”!
جوالاتنا تتباهى أمام الآخرين بما تحمله من صور فاضحة لأسماء معروفة!
نتلذذ بالحديث عن تفاصيل “الفضيحة” لكي يعرف الآخرون أننا “مهمون” ونعرف ما يحدث في البلد.. وأننا “نجيب العلم”!
ثم بعد كل هذا ، تهب نسمة أيمانية على وجوهنا، ونأخذ شكل الورع والخوف من الله، ونردد: “الله لا يبلانا”.. “الله يحب الستر”.. و”من ستر على مسلم….” وهكذا، وننسى كل ما كنا نقوله قبل لحظات!
يا إلهي!.. “الشخصية السعودية” مصابة بانفصام حاد!
تلعن الأشياء القبيحة.. وتمارسها بمتعة.
تردد أشياء في العلن، وتمارس نقيضها في الخفاء.
ولسنا وحدنا كأفراد من يفعل هذا.. حتى هذا المؤتمن على “خطاباتنا السريّة” هو أول من يكشف سريتها ويمررها للآخرين.. بل حتى المؤسسات التي يجب أن تلتزم بالورع والإيمان والخوف من الله: انشغلت بالمنكر.. ونسيت الأمر بالمعروف!
(2)
هذا ما اتفق عليه جمهور العلماء من السلف الصالح:
لا ينبغي للمحتسب أن يعترض رجلاً يسير مع امرأة دونما ريبة ويسأل من التي معك، ولا أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الأوتار، ولا أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر، ولا أن يمس ما في ثوبه ليعرف شكل المزمار، ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبره بما يجري في داره، وأن تكون المعصية ظاهرة.. لا أن يبحث عنها وراء الجدران والأبواب المغلقة، وألا يتجسسوا!
لم أبتكر هذا الكلام من عندي، هذا ما تقوله الكتب، وهذا ما اتفق عليه العلماء على ما ينبغي أن يكون عليه “رجل الحسبة”.. فهل هو في زماننا هذا بهذا الشكل النبيل الذي تصفه به الكتب.. أم أنه بشكل آخر مشوّه؟!
(3)
نظفوا جوالاتكم.. وقبلها: نظفوا أرواحكم.
تذكروا أن الإسلام قدّم “الأمر بالمعروف” على “النهي عن المنكر”
تذكروا أن الإسلام: ستر.. ولم يكن يوما من الأيام “فضيحة”!
محمد الرطيان