المصابيح التي كانت توقد في المسجد الحرام
قال الأزرقي : أول من استصبح لأهل الطواف في المسجد الحرام : عقبة بن الأزرق بن عمرو ، وكانت داره لاصقة بالمسجد الحرام من ناحية وجه الكعبة ، والمسجد يومئذ ضيق ليس بين جدر المسجد وبين المقام إلا شيء يسير ، فكان يضع على حرف داره – وجدر داره وجدر المسجد واحد – مصباحاً كبيراً يستصبح فيه ، فيضىء له وجه الكعبة والمقام وأعلى المسجد .
قال : وأول من أجرى للمسجد زيتاً وقناديل : معاوية بن أبي سفيان .
وعن عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم بن عقبة بن الأزرق ، عن أبيه ، قال : أول من استصبح لأهل الطواف وأهل المسجد الحرام جدي عقبة بن الأزرق بن عمرو الغساني ، كان يضع على حرف داره مصباحاً عظيماً فيضيء لأهل الطواف وأعلى المسجد ، وكانت داره لاصقة بالمسجد ، والمسجد يومئذ ضيق ، إنما جدراته دور الناس . قال : فلم يزل يضع ذلك المصباح على حرف داره حتى كان خالد بن عبد الله القسري فوضع مصباح زمزم مقابل الركن الأسود في خلافة عبد الملك بن مروان ، فمنعنا أن نضع ذلك المصباح ، فرفعناه .
قال أبو الوليد : فلم يزل مصباح زمزم على عمود طويل مقابل الركن الأسود الذي وضعه خالد بن عبد الله القسري ، فلما كان محمد بن سليمان على مكة في خلافة المأمون في سنة ست عشرة ومائتين ، وضع عموداً طويلاً مقابله بحذاء الركن الغربي ، فلما ولي مكة محمد بن داود ، جعل عمودين طويلين : أحدهما بحذاء الركن اليماني ، والآخر بحذاء الركن الشامي ، فلما ولي هارون الواثق بالله أمر بعمد من شبه طوال عشرة فجعلت حول الطواف يستصبح عليها لأهل الطواف وأمر بثمان ثريات كبار يستصبح فيها ، وتعلق في المسجد الحرام في كل وجه اثنتهان . انتهى .
وقال ابن فهد في حوادث سنة ست وثلاثين وسبعمائة : وفيها جعلت الأساطين التي حول المطاف ، وجعل بعضها بالحجارة المنحوتة الدقيقة ، والباقي آجر مجصص ، وجعل بين كل من الأساطين خشبة ممدودة راكبة عليها وعلى المقابلة لها ، لأجل القناديل التي تعلق لأجل الاستضاءة حول الكعبة ، عوض الأخشاب التي كانت في هذا المكان على صفة الأساطين .
وقال في حوادث سنة تسع وأربعين وسبعمائة : اجتهد الأمير فارس الدين في إصلاح المسجد الحرام ، وجدد الأعمدة المتخذة حول المطاف . انتهى .
وقال في تحصيل المرام نقلاً عن القرشي : قال عز الدين ابن جماعة : والأساطين التي حول المطاف الشريف أحدثت للاستضاءة بالقناديل التي تعلق بينها بعد العشرين وسبعمائة ، ثم ثارت ريح عاصفة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فألقتها ، ثم جددت فيها . انتهى ما ذكره القرشي .
وفي درر القرائد : أن السلطان سليمان العثماني غير الأساطين التي حول المطاف ، وكانت من حجارة بأعمدة من نحاس في سنة تسعمائة واثنين وثلاثين ، وبينها أخشاب ممدودة لتعلق فيها القناديل حول المطاف ، وعدة النحاس ثلاثون ، وفي جهة زمزم في آخر الأساطين عمود رخام ، وفي آخر الأساطين من الجهة الأخرى من جهة المنبر عمود رخام . انتهى .
أقول : وقد جدد محمد عزت باشا في زمن السلطان عبد المجيد خان عمودين من رخام من جهة باب بني شيبة على حافة الصحن ، عليها أعمدة من حديد منقور لها بين الأساطين متصلة تلك الأعمدة بالأساطين القديمة ، وقد غيرت أيضاً الأخشاب التي بين الأساطين التي حول المطاف بأعمدة من حديد تعلق فيها القناديل ، وبين كل عمودين سبع قناديل . انتهى ما في تحصيل المرام .
وفيه أيضاً : قال الشبرخيتي على شرح خليل : قال بعضهم : إن الأساطين التي حول المطاف هي حد الحرم الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، وما وراء ذلك فهو الزيادة . انتهى .
ومما أحدث في الحرم من الأعمدة النحاس ستة أعمدة ، أرسلتها والدة السلطان عبد المجيد خان في رأسها صورة نخلة من صفر ، طول كل عمود نحو خمسة أذرع مفرقة بالمسجد الحرام ، فأربعة في مقابلة أركان المسجد ، وواحد خلف المقام الحنفي ، والآخر مقابله في جهة باب الصفا ، وركب كل عمود على قاعدة من حجر طولها نحو ذراع ، ويعلق في رأس كل عمود ستة قناديل ، وذلك في سنة ألف ومائتين ونيف وخمسين ، كما أخبر بذلك الوالد المرحوم . كذا في تحصيل المرام .
وفيه أيضاً : قد جعلوا في عمارة آل عثمان للحرم الشريف في كل قبة من قبب السقف وفي كل طاجن سلسلة ترخى يعلق فيها القناديل ، فتعلق في تلك السلاسل بحسب أمر ولاة الأمر من كثرة وقلة ، والآن في زماننا في دولة السلطان عبد العزيز خان ومن قبله في دولة أخيه السلطان المرحوم عبد المجيد خان يعلق في جميعها برم بلور ، داخلها قناديل صغار . وزاد السلطان المرحوم عبد المجيد خان أعمدة من حديد بين الأساطين التي برواق المسجد من جهة الصحن دائر ما يدور الحرم ، تعلق فيها المصابيح ، بين كل عمودين خمسة قناديل ، توقد في رمضان إلى عشرين ذي الحجة ، وكذلك توقد في دولة أخيه ، وهي باقية إلى الآن ، وذلك في سنة ألف ومائتين وأربعة وسبعين . وجملتها ستمائة برمة ، كل برمة داخلها قنديل .
وأما التي في الأروقة فجملتها ثلاثمائة وأربع وثمانون ، وأما التي حول المطاف فجملتها مائتان وثمان وثلاثون ، وهذا ما عدا التي في المقامات وعلى أبواب المسجد وخارج أبوابه وعلى المنابر في أشهر الحج ورمضان . انتهى .
أقول : قد بطل تسريج القناديل في الحرم الشريف من رابع شعبان سنة 1339 ، وجعل بدله الكهرباء والأتاريك ، فتنور المسجد الحرام بالضوء الكهربائي والأتاريك ، وعلقت المصابيح التي يظهر منها الضوء الكهربائي في المطاف الشريف اثنان وسبعون ، في مقام إبراهيم سبعة ، وفي الرواق الذي بجهة الصحن دائر مما يدور الحرم مائة وعشرون ، وفي المقام الحنفي أربعة ، وفي المقام الشافعي أيضاً أربعة ، وفي مقام المالكي ثلاثة ، وفي مقام الحنبلي ثلاثة ، وفي باب زمزم واحدة ، وواحدة داخله ، وفي زيادة باب الزيادة أربعة ، وفي زيادة باب إبراهيم أربعة ، فجملة المصابيح المعلقة في المسجد الحرام مائتان وثلاثة وعشرون .
وأما الأتاريك فواحدة ، منها موضوعة في المطاف الشريف قبال مقام إبراهيم ، وواحدة فوق الحجر قبال مقام الحنفي ، وثلاثة منها معلقة على أعمدة الحديد ، أحدها خلف مقام المالكي ، والثانية خلف مقام الحنبلي ، والثالثة في حصة باب النبي .
تم بحمد الله وتوفيقه
المرجع
إفادة الأنام
بذكر أخبار بلد الله الحرام
مع تعليقه المسمى بإتمام الكلام
تأليف
العلامة المحدث المُسند المؤرخ الشيخ
عبد الله بن محمد الغازي المكي الحنفي
( 1290-1365هـ)
_________________ تــوقــيـع
|
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدوديماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــوديفيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي |