عاصي الشعراء العلياني مدير العام
الدولة : تاريخ التسجيل : 23/07/2010 عدد المساهمات : 3876
| موضوع: في صحبة الأنبياء .. 4 ـ نوح عليه السلام الثلاثاء أبريل 26, 2011 10:40 pm | |
| في صحبة الأنبياء .. 4 ـ نوح عليه السلام
كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *16/05/1431 الموافق 29/04/2010 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين .. وبعد ..فقد فرغنا في الحلقات الثلاث السابقة من الحديث عن آدم ـ عليه السلام ـ وابني آدم اللذين ورد ذكرهما في القرآن الكريم ، ونبي الله إدريس ـ عليه السلام ـ واليوم بمشيئة الله سبحانه وتعالى نعيش مع نبي الله نوح عليه السلام الذي يعد من أولي العزم من الرسل ، فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى ، صباحا ومساء ، سرا وعلانية ، دون ملل أو ضجر..وكانت البشرية قد مضى على وجودها على الأرض عشرة قرون ، ظهر خلالها اللمم ( صغار الذنوب وهفواتها ) شيئا فشيئا ، وفي غفلة من المربين وتساهل منهم نمت تلك الصغائر حتى صارت كبائر ، ثم انتقلت تلك الكبائر بأهلها إلى طور الإشراك بالله وكفره وجحوده ، وعندها تداركها الله عز وجل بإرساله إليهم ، يقول الله سبحانه وتعالى : " إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ..ولم يتمهل نوح ـ عليه السلام ـ بعد أن جاءه هذا التكليف الإلهي ، وإنما هب على الفور مستجيبا لأمر ربه ، وقال لهم : " يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ " وتلك مجمل الرسالة التي بعث بها كل الأنبياء "عبادة الله وتقواه وطاعته " إنها الوصفة التي ينصلح بها حال الناس جميعا ..وصار عليه السلام يسلك معهم مسلك العطف والشفقة عليهم تارة ، ويقول لهم : " إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ " وتارة يسلك معهم مسلك الترغيب بأن يبين لهم عاقبة الإيمان الحسنى في الدنيا ، ويقول لهم : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا " وما ينتظرهم في الآخرة من المغفرة ، فيقول : " يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى " وتارة يسلك معهم مسلك الإقناع العقلي ، ويقول لهم : " مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا"..وقد أثرت تلك الدعوة في قلوب بعض الناس الذين لم تغريهم الدنيا بمغرياتها ، ولم يغرقوا في شهواتها ، فآمنوا به واتبعوه ، ولكن الملأ من أصحاب السطوة والسلطان الذين أعماهم البطر عز عليهم ذلك ، وصاروا يقولون له " مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " .. وقابل ذلك عليه السلام منهم بلطف وحلم ، وصار يذكرهم بأن الجاه والمال والسلطان الذي يتفاخرون به عليه وعلى من آمن معه لا بد أن يأتي عليه يوم ويزول ، وإن لم يزُل فإنهم سيموتون ويتركونه ، فقال : " إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .."وكعادة المضلين في تاريخ البشرية سعى هؤلاء للتملص من الموضوع الذي يحاورهم فيه ، وهو موضوع عبادة الله ، وإشغاله بموضوع آخر لا علاقة له بقضية الإيمان ، فقالوا " مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا " مع إنه لم يقل لهم إن اصطفاء الله له بالرسالة قد أخرجه عن طور البشرية والتميز عليهم ..ولذلك لما رءوا هذا الطريق مسدودا عليهم ، وأنهم لن يستطيعوا أن يتخذوا ذلك وسيلة لصرفه عند دعوته عادوا إلى موضوع الفقراء الذين آمنوا معه مرة أخرى فقالوا : وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " واتخذوهم سببا لعدم اتباعه ، فقالوا : " أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ " ولا عجب فقد أنساهم الشيطان الذي نشأهم على التكبر والاستعلاء أن الكل مأمورون بعبادة الله وطاعته ، سواء أكانوا فقراء أم أغنياء ؛ لذلك لم يملك نوح عليه السلام إلا أن قال لهم : " وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ..إن مؤمن واحد ولو كانت رأسه رأس زبيبة خير من ملء الأرض من المشركين ، إنه يسبح الله ويقدسه ، أما هؤلاء المشركون فهم عبء على كون الله سبحانه وتعالى ، يتمتعون بخيراته التي بثها لهم في الأرض ثم يحرصون على معصيته ، ولذلك لم يملك نوح عليه السلام إلا أن قال : " وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ "..إن البشر دائما لا يقيسون أمورهم دائما إلا بالماديات ، وربما رمى الفسقة الكفرة منهم أتباع الأنبياء بأنهم ما آمنوا إلا طمعا في العطاء ، وربما كان ذلك منطق الذين كفروا برسالة نوح عليه السلام ، ولذلك رد عليهم بقوله : " وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ " أي لم يكن عنده من المال ما يغري به هؤلاء المؤمنين على اتباعه ..وكانت حالة نوح عليه السلام ظاهرة للعيان ، ولكن بدلا من أن يسلموا له بحجته عليهم قاموا على ما يبدو بالسخرية من أتباعه ، وقالوا : إنه يمنيهم بأنهم سيكونون ملوكا وعظماء في المستقبل ـ وهذا غير مستبعد على فضل الله ـ ولذلك رد نوح عليه السلام على هؤلاء بقوله : " وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ " ..وفضل الله كما قلت ليس بعيدا على هؤلاء الفقراء المؤمنين ، وكما أغنى غيرهم فهو وحده قادر على أن يغنيهم ، وأن يورثهم الأرض في الدنيا والجنة في الآخرة ، ولذلك قال نوح عليه السلام للمترفين : " وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ " .. ثم رد على ادعائهم بأنهم ما آمنوا إلا طمعا في المال بقوله : " وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ "..إن بعض المترفين من أصحاب الأموال في كل عصر يحاولون أن يهيمنوا على الدعاة أو المصلحين بأموالهم ، وربما حاول بعض قوم نوح أن يفعلوا ذلك معه ، ولكنه قطع عليهم الطريق ، وأكد أنه لا يريد من دعوته غير الخير للجميع ، ولا يطلب أي مقابل تجاه هذا العمل الذي يستغرق كل وقته وجهده ، فقال : " وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ " ..وما عطل مسار الدعوة الإسلامية في العصر الحديث رغم أن التقدم العلمي جعلها مهيأة أكثر من ذي قبل إلا لأن أكثر الدعاة المعاصرين لم يستطيعوا أن يتحلوا بمقولة نوح عليه السلام هذه ، ولم يستطيعوا أن يتغلبوا على حب الجاه والمال والمنصب الذي لا يتم إلا بالتنازل عن الكثير أمام السلطان ..ولأهمية تلك القضية كان نوح عليه السلام (وكل نبي بُعث بعده ) يختم كل نقاش مع المجادلين له بتذكيرهم بهذا الأمر ، ويقول : " فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ " ..وعندما تُتخذ الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى حرفة للتكسب نرى من المنتسبين للدعوة والإصلاح من يرددون مواعظ لا ترقى لقلوبهم فضلا عن رقيها لقلوب باقي الناس ، وربما بالغوا في المواعظ بما لا يلزمون به أنفسهم ، ولكن نوح عليه السلام ( وكل نبي بعده كان مثالا للائتمار بأمر الله سبحانه وتعالى ، يلتزم بأمر ربه قبل أن يلزم به الآخرين ، وشعاره " َأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ..يقول الطبري : " وهذا وإن كان خبرًا من الله تعالى عن نوح، فإنه حثٌّ من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على التأسّي به، وتعريفٌ منه سبيلَ الرشاد فيما قلَّده من الرسالة والبلاغ عنه .." وأنا أقول أيضا : هو حث لكل داع ومصلح .وبعد لقاءات وجلسات ونقاشات لا يعرف عددها إلا الله عز وجل قابل المعاندون نوحا عليه السلام بقولهم : " يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " ..إنه رد نسمعه من كل الجاحدين على مر التاريخ ، وإن اختلفت اللغات واللهجات التي يردد بها ، وكان الرد الطبيعي من نوح عليه السلام كنبي وُصف بأنه من أولي العزم من الرسل هو قوله :" إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ " ..وربما كان هذا الرد منهم على سبيل السخرية أو على سبيل التحدي لما رءوا قوتهم وكثرتهم بالقياس إلى قوة نوح عليه السلام والفقراء الذين آمنوا معه ، لذلك قلب لهم المعادلة تماما بأن التحدي ليس معه ، أو ليس بينه وبينهم ، وإنما مع الله الذي بيده ملكوت كل شيء ، وهو يقوم وحده بتطبيق سننه عليهم التي تلحق بكل جبار عنيد ..ثم ذكرهم بأن عنادهم وعدم الإنصات لدعوته ليس دليل عظمة منهم كي يختالوا بها ، وإنما لأنهم بمعصيتهم لله هانوا عليه فلم يقدر لهم الهداية التي تجلب لهم النجاة في الدنيا والسعادة في الآخرة ، وأخذ يقول لهم : " وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " ..وتمضي القرون تتلوها قرون وهم على حالتهم تلك لا يتغيرون ، فما كان منه عليه السلام إلا أن رفع تقريره إلى الله عز وجل فقال : " رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا "..يقول المرحوم سيد قطب : هكذا سلك نوح أو حاول أن يسلك إلى آذان قومه وقلوبهم وعقولهم بشتى الأساليب ، ومتنوع الوسائل في دأب طويل ، وفي صبر جميل ، وفي جهد نبيل ، ألف سنة إلا خمسين عاماً . ثم عاد إلى ربه الذي أرسله إليهم ، يقدم حسابه ، ويبث شكواه ، في هذا البيان المفصل ، وفي هذه اللهجة المؤثرة . ومن هذا البيان الدقيق نطلع على تلك الصورة النبيلة من الصبر والجهد والمشقة ، وهي حلقة واحدة في سلسلة الرسالة السماوية لهذه البشرية الضالة العصية! فماذا كان بعد كل هذا البيان؟إنها حالة من الدعوة إلى الله لا يكاد يصبر عليها إلا قلة قليلة مثل نوح عليه السلام يقابلها حالة من العناد والإصرار على الكفر قلما تتكرر في التاريخ يضعها الله سبحانه وتعالى أمام نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ومن يتبعون نهجه ؛ لتكون أمام أعينهم ، فإن ملوا من كثرة الدعوة تذكروا نوحا عليه السلام بقرونه الطويلة ، وإن ضاقت صدروهم بما يلقونه ممن يدعونهم إلى الله عز وجل تذكروا قوم نوح عليه السلام ، وعند ذلك سيحمد هؤلاء الدعاة عصرهم ، وسيعلمون أن حقل الدعوة إلى الله عز وجل الذي يعملون فيه هو أيسر بكثير مما كانت عليه العصور الخوالي ..ونعود إلى مصير قوم نوح فنقول : إن أشد ما يلحق بالإنسان المعاند أن يهون على الله فلا يجعل قلبه أهلا لأن يخشع ، ولا يجعل عقله أهلا لأن يتفكر في مصيره ، وإنما يضرب على قلبه وعقله وبصره ، ويجعل ناصيته بيد الشيطان يتحرك به كيفما يشاء ، ومثل هؤلاء لا يستحقون أن يأسى عليهم أحد ، ولذلك قال الله عز وجل : " وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ "..وما عليه بعد ذلك إلا أن يأخذ بأسباب نجاته هو ومن آمن معه ، فجاءه الأمر من الله سبحانه وتعالى : " وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ "ومن العجب العجاب أن هؤلاء البشر لم يجربوا من نوح عليه السلام خلال القرون الطويلة التي مكثها في دعوتهم إلى الله عز وجل غير الجدية ، وكان عليهم أن يهرعوا إليه وهم يرونه يصنع السفينة ليستغفر لهم ، ولكن كما قلت من قبل : إن عقولهم قد سلبت منهم بعد أن حقت عليهم كلمة الضلالة ، فصاروا يسخرون منه ومما يصنع ، يقول الله عز وجل : " وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ " فكان رده عليه السلام أن قال : " إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ .. إنه تهديد من رجل ما جربوا عليه الكذب من قبل ، وما سمعوا منه هزل طوال معايشتهم له ، ولكنها القلوب التي طمست ، ولطالما تفكرت في حال هؤلاء وحال فرعون ـ عليه اللعنة وأمثاله إلى يوم الدين ـ وهو ينظر أمام البحر وقد انشق فلقتين ، وارتفع الماء جبلين عظيمين ، جبل عن اليمين ، وجبل عن الشمال ، وهما متماسكان في صورة تبهر الناظرين ، ولكنه لم يقف مشدوها عند هذا المنظر ، ولم يسأل نفسه لا هو ولا من معه كيف تم هذا ؟!!! فأيقنت بأن الهداية من الله وحده دون سواه ، وأن الإنسان لا يملك لنفسه الهداية إلا أن يشاء له ذلك .وبعد أن فرغ نوح عليه السلام من صنع السفينة طبقا للمواصفات التي وصفها الله سبحانه وتعالى له أمره عز وجل يشحن فيها كل احتياجاته ومستلزماته ، وما يحافظ به على استمرار سنة الحياة والتعمير في الأرض التي ستطهر ممن عليها وتبدأ عليها الحياة من جديد ، فقال عز وجل : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ " ..ثم أمره بالصعود إليها هو ومن آمن معه في لحظة الصفر ( لحظة فوران التنور الذي كان آية على بدء موعود الله للكافرين ) فقال : " ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا " وبعد الفراغ من صعودهم إليها صدر إليه أمر آخر ليديم ارتباطه هو ومن معه به سبحانه وتعالى : "فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "..وكانت السفينة عندما صعدوا إليه في مكان بري لا يقربه الماء ، وهذا ما كان يثير استغراب وسخرية المشركين فإذا بالسماء تنهمر ماء ، وإذا بالأرض تنفجر عيونا ، ويلتقي ماء السماء مع ماء الأرض ليحدثا طوفانا في الحال ، فانطلقت السفينة مبحرة ؛ حتى قال عنها المولى سبحانه وتعالى : " وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ " ورغم ذلك بقي المشركون في غرورهم وسكرهم ؛ أما نوح عليه السلام فقدت بدت له الحقيقة ظاهرة ، فشاهد ابنه من بعيد والماء يزحف نحوه ، ربما كان يتلف يمينا ويسارا وهو مذعور يبحث له عن المخرج ، ولكنه يريد أن يكون بعيدا عن الله سبحانه وتعالى ؛ كحالة العصيان في عصرنا الذين ألمت بهم الكوارث والهموم ، ورغم ذلك لا يزالون بعيدين عن ربهم المغيث ، ويلتجئون إلى الشرق تارة والغرب أخرى يبحثون لهم عن حلول فلا يزدادون إلا رهقا ..أقول وجد نوح عليه السلام ابنه في هذا الموقف فتحرقت فيه عاطفة الأبوة ، وأخذ ينادي : " يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ " ولكن الولد كان حاله كحال كثير من الشباب الذين جرفتهم رياح المعاصي ، وغدا كل واحد منهم كلما وجد النصح من أبويه أعرض عنهم ، وقابل نصيحتهم بالسخرية والاستهزاء ، بعد أن زين له رفقاء السوء المعصية وأقنعه بأن أباه يعيش في غير عصره ، لا يواكب تطورات المدنية .. فكان الرد غير المتعقل من ابن نوح : " سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ " والأب الحنون يصرخ : " لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ " وقبل أن يكمل نوح عليه السلام كلامه حيث كان السياق ـ والله أعلم ـ يقضي أن يقول " إلا من رحم الله " ولكن زمان الإمهال قد فات ، يقول الله عز وجل : " وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ" ..سبحانك ربي إن الإنسان قد يؤخر التوبة والإنابة إلى الله ، وهو لا يدري أن عجلة الزمان لا تسعفه والقدر لا يمهله ..وما هي إلا لحظات قليلة ، وهي اللحظات التي يستغرقها الغريق حتى تخرج روحه ، حتى عاد الكون إلى سيرته الأولى ، ولم تتعطل الحياة فيه أكثر من تلك اللحظات ، إذ صدر الأمر الإلهي : " يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " كانت تلك اللحظات قصيرة جدا لدرجة أن نوحا عليه السلام لم يحسب أن ابنه قد هلك بعد فنادى ربه قائلا : " رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ " ..إن كثيرا من الناس في الدنيا ينشغلون بأحسابهم وأنسابهم وقومياتهم وجنسياتهم ، وهي عند حلول القضاء لا تنفع شيئا ، ولن يجامل الله سبحانه وتعالى فيها أحدا ، ولو كان نوحا عليه السلام الذي قضى عشرة قرون وليس عشرة أعوام في القيام بأمره سبحانه وتعالى ، وكان الرد من الله عز وجل عليه : " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ( أي الذين أمرتك بحملهم معك في السفينة ووعدتك بنجاتهم " إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ " .. والتعبير بالمصدر هنا (عَمَلٌ ) أحسب ـ والله أعلم بمراده ـ أنه جاء لكثرة ما كان يصدر عن هذا الولد من معصية ..والإنسان مطالب ألا يدافع عمن يختان أو يظلم نفسه ؛ كي لا تتبدل الحقائق ويشيع الفساد في الأرض ، ويضيع الحق ؛ لذلك جاء النهي من الله عز وجل لنوح عليه السلام ولكل من يأتي بعده : " فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " .وجاءت الاستجابة الفورية من نوح عليه السلام لهذا النهي بقوله : " قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ " فليت الذين ينحازون لأولادهم وأهليهم وأصحابهم ليس في طلب المغفرة لهم دون وجه حق وإنما ينحازون إليهم في تمليكهم ومنحهم ما ليس لهم من المال العام والخاص دون وجه حق يعون ذلك الدرس من موقف نوح عليه السلام من ابنه .وبعض أن غيض الماء وعادت الحياة إلى سالف عهدها ونظر نوح فوجد السفينة قد استقرت على جبل الجودي ، واليابسة تمتد من حولها شرقا وغربا شمالا وجنوبا أمره الله أن يخرج منها بمن معه من المؤمنين ليواصلوا رسالتهم في تعميرها ، فقال عز وجل : " يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ " ..وأخيرا أقول : إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أتى على كل ما فعله قوم نوح خلال عشرة قرون وطهر الأرض من رجسهم في لحظات معدودة فهو وحده قادر على أن يأتي على ما تسويه البشرية الآن وفي لحظات قليلة أيضا إذا أصر المترفون فيه على عنادهم ، وتنطبق عليهم سنة الله سبحانه وتعالى التي قررها في قوله : " وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ "..والحديث موصول إن شاء الله في صحبة باقي الأنبياء إن كان في العمر بقية _________________ تــوقــيـع
| لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدوديماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــوديفيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي |
عدل سابقا من قبل عاصي الشعراء العلياني في الخميس يوليو 05, 2018 10:28 am عدل 1 مرات | |
|
عاصي الشعراء العلياني مدير العام
الدولة : تاريخ التسجيل : 23/07/2010 عدد المساهمات : 3876
| موضوع: رد: في صحبة الأنبياء .. 4 ـ نوح عليه السلام الثلاثاء أبريل 26, 2011 10:45 pm | |
| طوفان نوح عليه السلام كتب: فراس نور الحق 01/04/1431 الموافق 16/03/2010 لقد تحدث القرآن الكريم عن الأمم السابقة البائدة وكيف كانت مواقفهم تجاه رسل الله تعالى ، ومن القصص التي وردت في القرآن الكريم قصة نوح عليه السلام والطوفان قال تعالى : {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وأَطِيعُونِ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِين قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَان أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }.[الشعراء 105: 121]. وقال تعالى في سورة نوح : (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ .
الإعجاز الغيبي :لعل هذه القصة من أعظم صور الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم والتي صدقتها المكتشفات الأثرية الحديثة: قصة الطوفان عند الحضارات القديمة :
من المعروف منذ زمن طويل أن قصص الطوفان تنتشر انتشاراً واسعاً في جميع أنحاء العالم، فهناك قصص عن الطوفان في بعض مجتمعات الشرق الأدنى القديم، وفي الهند وبورما والصين والملايو واستراليا وجزر المحيط الهادي، وفي جميع مجتمعات الهنود الحمر .
و لعل أهم هذه القصص قصة الطوفان السومرية، وقصة الطوفان البابلية، وقصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة ، وعلى الرغم من التحريف الذي يشوب بعض تلك القصص إلا أنها متفقة على أنه قد حدث طوفان عظيم ، وأنه كان هناك رجل صالح قام ببناء سفينة ، وحمل فيها من كل الحيوان زوجين إضافة إلى أهله ومن تبعه من الناس المؤمنين بالله ، وسوف نعرض لأهم هذه القصص :
أولاً: قصة الطوفان السومرية : كان الناس يعتقدون حتى أواخر القرن الماضي أن التوراة هي أقدم مصدر لقصة الطوفان , ولكن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن ذلك مجرد وهم، حيث عثر في عام 1853 م على نسخة من رواية الطوفان البابلية، وفي الفترة ما بين 1889م ،1900 م، اكتشفت أول بعثة أثرية أمريكية قامت بالتنقيب في العراق اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان في مدينة "نيبور " ( نفر ) ثم تبعه آخرون، ويبدوا من طابع الكتابة التي كتبت بها القصة السومرية أنها ترجع إلى ما يقرب من عهد الملك البابلي الشهير " حمورابي " وعلى أنه من المؤكد أنها كانت قبل ذلك .
ملخص القصة حسب الرواية السومرية تتحدث عن ملك يسمى ( زيوسودا )كان يوصف بالتقوى ويخاف من الله، ويكب على خدمته في تواضع وخشوع أُخبر بالقرار الذي أعده مجمع الآلهة بإرسال الطوفان الذي صاحبه العواصف والأمطار التي استمرت سبعة أيام وسبع ليال يكتسح هذا الفيضان الأرض، حيث يوصف ( زيوسودا) بأنه الشخص الذي حافظ على الجنس البشري من خلال بناء السفينة ...
ثانياً : قصة الطوفان البابلية : 1 ـ ملحمة جلجامش : في الثالث من ديسمبر 1872 م أعلن " سيدني سمث " نجاحه في جمع القطع المتناثرة من ملحمة جلجامش بعضها إلى بعض، مكتوبة في اثنى عشر نشيداً، أو بالأحرى لوحاً، ومحتوية على قصة الطوفان في لوحها الحادي عشر: وملخص القصة أنه كان هناك رجل يسمى جلجامش أمرته الآلهة بأن يبني سفينة , وأن يدع الأملاك وأنه احتمل على ظهر الفلك بذور كل شيء حي، والفلك التي بنها سيكون عرضها مثل طولها وأنه نزل مطر مدرار .. الخ ثم استوت السفينة على جبل نيصير ( نيزير ) [ وهو جيل بين الدجلة والزاب الأسفل] .
2 ـ قصة بيروسوس: في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وعلى أيام الملك " أنتيوخوس الأول" ( 280 ،260 ق.م )، كان هناك أحد كهنة الإله " ردوك " البابلي، ويدعى بيروسوس قد كتب تاريخ بلاده باللغة اليونانية في ثلاثة أجزاء ، وحوا الكتاب على قصة الطوفان ، وتقول إنه كان يعيش ملك اسمه " أكسيسو ثووس " هذا الملك يرى فيما يرى النائم أن الإله يحذره من طوفان يغمر الأرض ويهلك الحرث والنسل فيأمره بأن يبني سفينة يأوي إليها عند الطوفان .
فيبني هذا الملك سفينة طولها مائة وألف يارده وعرضه أربعمائة وأربعون ياردة، ويجمع فيه كل أقربائه وأصحابه، ويختزن فيه زاداً من اللحم والشراب فضلاً عن الكائنات الحية من الطيور وذات الأربع . ويغرق الطوفان الأرض.. وتستقر السفينة على جبل حيث ينزل وزوجته وابنته وقائد الدفة، ويسجد الملك لربه ويقدم القرابين الخ..
3ـ قصة الطوفان اليهودية كما ترويها التوراة :وردت هذه القصة في الإصحاحات من السادس إلى التاسع من سفر التكوين ، وتجري أحداثها على النحو التالي :
(رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه، وعزم على أن يمحو الإنسان والبهائم والدواب والطيور عن وجه الأرض، وأن يستثني من ذلك نوحاً لأنه كان رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله ........... وتزداد شرور الناس، وتمتلئ الأرض ظلماً، ويقرر الرب نهاية البشرية، ويحيط نوحاً علماً بما نواه، آمراً إياه بأن يصنع فلكاً ضخماً، وأن يكون طلاؤها بالقار والقطران من داخل ومن خارج، حتى لا يتسرب إليها الماء، وأن يدخل فيها اثنين من كل ذي جسد حي، ذكراً وأنثى، فضلاً عن امرأته وبنيه ونساء بيته، هذا إلى جانب طعام يكفي من في الفلك وما فيه.. تكوين 6: 1 ـ 22.
ويكرر الرب أوامره في الإصحاح التالي فيأمره أن يدخل الفلك ومن معه ذلك لأن الرب قرر أن يغرق الأرض ومن عليها بعد سبعة أيام ذلك عن طريق مطر يسقط على الأرض أربعين يوماً وأربعين ليلة، ويصدع نوح بأمر ربه فيأوي إلى السفينة ومن معه وأهله، ثم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء، واستمر الطوفان أربعين يوماً على الأرض.
وتكاثرت المياه ورفعت الفلك عن الأرض وتغطت المياه، ومات كل جد كان يدب على الأرض، من الناس، والطيور والبهائم والوحوش وبقي نوح والذين معه في الفلك حتى استقرت الفلك على جبل أرارات. إن هذه النصوص برغم ما حوت من تحريف إلا أنها بمجموعها تؤكد حدوث قصة الطوفان وهي في شكلها العام تتطابق من القرآن الكريم ، فمن أخبر محمداً بتلك بتفاصيل تلك القصة التي كانت أحداثها قبل ولادته بآلاف السنين .
الأدلة الأثرية في العراق تدل على ثبوت قصة الطوفان : يرى بعض علماء التاريخ وبعض المفسرين أن الطوفان الذي أصاب قوم نوح لم يشمل كامل الكرة الأرض بل شمل منطقة معينة هي وادي الرافدين ، ولقد أجرت عدة بعثات أثرية ببعض التنقيبات في سهول بلاد الرافدين للبحث عن الآثار التي تذخر بها تلك المنطقة التي شهدت عدة حضارات ، ولقد كشفت تلك التنقيبات إلى أن هذه المنطقة شهدت طوفاناً عظيماً قضى على الحضارة السومرية التي كان أهلها يقطنون في سهول الرافدين ، فقد ظهرت آثار الطوفان جلية في أربعة مدن رئيسية في بلاد الرافدين : أور ـ أريش ـ شورباك ـ كيش ، ولقد كشفت التنقيبات الأثرية إلى أن هذه المدن قد ضربها الطوفان في حوالي 3000 قبل الميلاد .. التنقيبات في أور:
إن أقدم ما تبقى من هذه الحضارة هو مدينة أور المعروفة اليوم (بتل المكيار ) والتي يعود تاريخها إلى عام 7000 قبل الميلاد ، إن مدينة أور فقد كان سكنها حضارات متعاقبة سادت ثم بادت ومن خلال المكتشفات الأثرية لمدينة أور تبين بأن تلك الحضارة ضربها طوفان رهيب وأن حضارات نشأت مكانها تدريجياً .
لقد قاد عالم الآثار (سير ليونارد وولي) حملة تنقيب من قبل المتحف البريطاني وجامعة (بنسلفانيا )عام عام 1928م في المنطقة الصحراوية بين بغداد وخليج فارس ولقد وصف (ورينر كيلر) عالم الآثار الألماني تنقيبات (سير ليونارد وولي) كالتالي: " عندما قدمت حملة علماء الآثار إلى تل المكيار التي ارتفاعها 50 قدم جنوب المعبد وبعد التنقيب وجدوا صف طويل من القبور فوق بعضها وقناطر حجرية رائعة وخزائن الكنوز التي كانت ممتلئة بـ أقداح ثمينة، وجرار رائعة ومزهريات وطاولات وبرونزيات وفسيفساء وفضة تحيط بهذه الأشياء التي يغطيها الغبار ، وبعد عدة أيام من الحفر والتنقيب نادى أحد العمال الذين مع (وولي ) وقال : نحن على مستوى الأرض ووضع نفسه في النفق ليقنع نفسه ، ظن (وولي) إن هذا كل شيء، إنه رمل نقي (غريد) وهو نوع من الرمل ينحل بالماء فقط ، لقد قرروا أن يواصلوا الحفر ، ويجعلوا الحفر أعمق، أعمق وأعمق ، ذهبت الحملة إلى داخل الأرض ثلاثة أقدام، ستة أقدام لا يزال طين عشرة أقدام .... فجأة وعلى عمق عشرة أقدام توصلوا إلى دليل واضح على مساكن بشرية.
وينقل (ماكس مالوان ) عن سير ليونارد وولي " الطوفان هو الدليل الوحيد الممكن لهذا الطمي الهائل الذي توضع تحت التلة في مدينة أور، الذي فصل بين حضارتين بين مدينة أور السومرية ومدينة العبيد الأشورية " (1) ولقد دلت التحليلات المجهرية لهذا الطمي أو الغريد الهائل الذي توضع تحت التلة في أور تكدس هنا نتيجة الطوفان.
مدينة كيش:وكذلك الأمر تم الكشف عن آثار للطوفان في مدينة أخرى من مدن بلاد الرافدين وهي كيش السومرية المعروفة اليوم بـ تل الأحيمر ويصف تاريخ السومريون القدماء هذه المدينة بـ ( الموقع الأول للأسرة الحاكمة ) (2)
مدينة شورباك:المدينة الجنوبية في بلاد الرافدين (شوربا ) المعروفة اليوم بـ تل الفرح ، تحمل أيضاً دليلاً واضحاً على الطوفان من خلال الأبحاث الأثرية التي قام بها (أريش سكمرت ) من جامعة بنسلفاينا في هذه المدينة من عام 1920ـ1930 كشفت هذه التنقيبات الأثرية النقاب عن ثلاثة طبقات من المساكن التي امتدت في عصر ما قبل التاريخ إلى الأسرة الحاكمة الثالثة كمدينة أور (2112ـ 2004) قبل الميلاد . وكانت الاكتشافات المميزة بيوتاً مبنية بشكل رائع مترافقة مع كتابة مسمارية وقوائم من الكلمات تدل على التطور الراقي الذي كان موجوداً في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد (3) وكذلك كانت هناك آثار للطوفان في مدينة أريش الأثرية.
اكتشاف شواهد الحياة قبل الطوفان:واشنطن-ناسا: عثر مستكشفون أميركيون على عمق مئات الأمتار تحت سطح البحر الأسود على بقايا منطقة سكانية في بقعة وقعت فيها سيول مدمرة قبل 7500 عام تعادل في أهميتها اكتشاف أطلال بومبي المدينة الرومانية القديمة التي دمرها بركان فيزوف قبل عدة قرون.
وذكرت رويترز في تحقيق لها بهذا الشأن أن روبرتبا لارد أحد المستكشفين أوضح أن فريقه من جمعية ناشيونال جيوغرافيك عثر على هيكل مستطيل قد يكون لبناء على عمق نحو 310 أمتار تحت سطح البحر مما يشير إلى أن أناساً كانوا يعيشون هناك قبل إغراق طوفان هائل للمنطقة ، الأمر الذي يعتبر شواهد على مستوطنات بشرية ، وقال بالارد في حديث هاتفي من سفينة الأبحاث نورذرنهور ايزون على مسافة 20 كيلومتراً قبالة الساحل التركي : إن الاكتشاف هائل ويرجع المعمار والقطع الفنية فيه إلى العصر البرونزي الحديث الذي كانت بدايته قبل نحو 7000 عام ، كما أنه يضم كمية كبيرة من الأطلال تحت سطح الماء ؛ مما يشير إلى أن عدداً كبيراً من الناس كانوا يعيشون فيها ، واعتبر أن هذا الاكتشاف يفوق في أهميته اكتشاف حطام التايتانيك في عام 1985.
وأضاف أن فريقه توصل إلى هذا الاكتشاف قبل ثلاثة أيام في الأسبوع الثاني من بعثة تستغرق خمسة أسابيع ، ويأمل أعضاء الفريق في التوصل إلى اكتشافات أخرى ، وسيقومون بعمليات تجفيف وتصوير وثائقي دقيق قبل إحضار أي شيء إلى السطح ، وتم التعرف على القطع المكتشفة بمجسات ضوئية "سونار" وتم تصويرها بواسطة عربة متنقلة اسمها ازجوس في حجم الغسالة الكهربائية متصلة بباخرة الأبحاث بكابلات من الألياف الزجاجية ، وتبلغ مساحة الهيكل المستطيل الذي تم اكتشافه أربعة أمتار عرضاً و 15 متراً طولاً._________________ تــوقــيـع
| لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدوديماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــوديفيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي |
| |
|