عاصي الشعراء العلياني مدير العام
الدولة : تاريخ التسجيل : 23/07/2010 عدد المساهمات : 3863
| موضوع: موقف الإسلام من الشعر معاني الشعرأسلوب الشعرأغراض الشعر: الثلاثاء مايو 31, 2011 6:59 pm | |
|
موقف الإسلام من الشعر معاني الشعر أسلوب الشعر أغراض الشعر: 1- المدح 3- الحماسة 2- الهجاء 4- الرثاء
موقف الإِسلام من الشعر: أعلى عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان في مكة عدد من الشعراء، وبعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تطاول شعراء مكة على الرسول والمسلمين فاضطر شعراء الأنصار إلى الدفاع عن الإِسلام مثل حسان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة، وقد دفعت هذه الخصومة شعراء مكة إلى الإِكثار من الشعر. ومن شعراء مكة عبد الله بن الزبعرى، وضرار ابن الخطاب، وأبو سفيان بن الحارث. أما الشعراء الذين دخلوا في الإِسلام من غير شعراء مكة والمدينة فقد قل شعرهم أو توقف، ومن هؤلاء لبيد بن ربيعة العامري، وكعب بن زهير. ويرى ابن خلدون أن الشعراء أحجموا عن قول الشعر عند نزول الوحي، ولما رأوا أن الإِسلام لم يحرم الشعر عادوا إليه، وهذا القول فيه نظر؛ لأن الشعر لم يتوقف عند بعثة الرسول أو عند هجرته وإنما ازدهر الشعر في مكة والمدينة بسبب ظهور الإِسلام، أما فتور الشعر بعد فتح مكة فيعود إلى ورع الشعراء وعدم إطلاق العنان لألسنتهم، فالإِسلام نفَّر من الشعر السيء ولكنه لم يحرم الشعر فقد ورد في القرآن الكريم: {والشُعَرَاءُ يَتَّبعُهم الغَاوُون. أَلَمْ تَرَ أَنّهُمْ في كُلِّ وادٍ يَهِيْمُونَ. وأنّهُم يَقُولُون مَالا يَفْعَلُوَن. إلاَّ الذين آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَات وذَكَرُوا الله كَثيراً وانْتَصَرُوا من بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وسَيَعْلَمُ الذّينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنْقَلَبِ يَنْقَلِبُون}[1]. وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه إنْ هُوَ إلاَّ ذِكْرٌ وقُرآن مُبِين}[2]. وقد ورد في الحديث. "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً"[3]. ففي الآية الأولى لا نجد تحريماً للشعر، والحديث الشريف ينفر من الشعر السيء أي إنه لا يحرم الشعر بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم. "إن من الشعر حكمة"[4] وقوله صلى الله عليه وسلم: "أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل"[5]. وقد قال صلى الله عليه وسلم لحسان: "أهجهم أو هاجهم وجبريل معك"[6]. وكان صلى الله عليه وسلم يسمع الشعر من وفود العرب، وربما رضي عن المذنب بسبب شعره كما حصل لكعب بن زهير عندما ألقى قصيدته: "بانت سعاد" بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن المحرم من الشعر هو ما أتى بالشرك وصرف عن الإِسلام أو خالف مبادئه أما غير ذلك فلم يرد فيه تحريم.
أغراض الشعر: أعلى عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لم يكن حوله من الصحابة من يجيد الشعر، وبعد هجرته صلى الله عليه وسلم للمدينة دخل في الإِسلام بعض الشعراء البارزين في الجاهلية مثل حسان، وكعب بن مالك، وعبد الله ابن رواحة، وكان شعراء مكة يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فأخذ الشعراء المسلمون يردون عليهم بشعر يهجون فيه قريشاً ويمدحون رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعرفت تلك الظاهرة بشعر النقائض بين شعراء مكة والمدينة، وشعر النقائض يشتمل على الهجاء والمدح والفخر. وبعد فتح مكة اتجه المسلمون للفتح وتلا ذلك موت النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد العرب فبرز شعر الردة في هذه الفترة، وقد برز في حروب الردة الشعر الحماسي الذي يحرض المجاهدين على القتال، وقد نما هذا النوع من الشعر في زمن عمر وفي خلافة عثمان، وفي الحروب التي حدثت بين علي ومعاوية برزت ظاهرة النقائض بين شعراء علي وشعراء معاوية، ومن خلال هذا العرض يظهر لنا أن الظواهر الشعرية كثيرة ومتعددة وسنشير هنا إلى الأغراض التقليدية المهمة وهي: المدح، الهجاء، الحماسة، الرثاء.
1- المـدح: أعلى بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة برز من الصحابة شعراء هم حسان رضي الله عنه الذي عرف بشاعر الرسول، وكعب ابن مالك، وعبد الله بن رواحة، هؤلاء الشعراء هم الذين نافحوا عن الإِسلام ومدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم. ويهدف المدح في هذا العصر إلى الإِشادة بالإسلام ورسول الإِسلام، فليس هدف المادح طلب المال كما كان يفعل الجاهليون، وإنما هدفه رفع راية الإسلام والدعاية له حتى يدخل العرب فيه، وخير ما يمثل ذلك قول عبد الله بن رواحة: يَا هَاشِمَ الخَيْرِ إنَ الله فَضـَّلَكُـم على البَرِيَّةِ فضـلاً ما لـهُ غِيـَرُ[7] إنَي تَفَرَّسْتُ فيك الخَـيْرَ أَعـرِفهُ فِرَاسَةً خَالَفَتْهُمْ في الـذي نَظـَرُوا وَلَوْ سَألْتَ أوْ اسْتَنْصَرْتَ بَعْضَهُمُ في جُلِّ أمْرِكَ ما آوَوْا وَمَـا نَصَرُوا[8] فَثَبّتَ الله ما آتَاكَ مـن حَـسَنٍ تَثْبِيْتَ مُوسى ونَصْراً كالذّي نُصِرُوا[9] ومن أجمل ما قيل في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم قصيدة (بانت سعاد) التي ألقاها كعب بن زهير بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أبيات تلك القصيدة قوله: إنَّ الرَّسُولَ لنورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ من سيوفِ الله مَسْلُولُ ومَدَحَ النابغة الجعدي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: أَتَيْتُ رَسُولَ الله إذْ جَاءَ بالهُدى وَيَتْلُو كِتَاباً كالمَجَرَّة نَيِّرا[10] فهؤلاء الشعراء لم يمدحوا الرسول بالكرم والشجاعة كما كان سائداً عند شعراء المدح في الجاهلية، وإنما مدحوه بما جاء به من الهدى والنور والقرآن بالإِضافة إلى شجاعته صلى الله عليه وسلم وكرمه؛ فمعاني المدح في الإِسلام تختلف عن معاني المدح في الجاهلية. وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم قل شعراء المدح وأصبح المدح ليس غرضاً للشعراء فالأبيات التي قيلت في مدح الخلفاء الراشدين قليلة إذا قيست بالأعمال التي قاموا بها.
2- الهجــاء: أعلى اسْتَعَرت نار الهجاء بين شعراء مكة وشعراء المدينة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، والمعاني التي ترد في هجاء شعراء المدينة هي معان مختلفة، فقد يستعمل الشاعر المعاني المألوفة؛ من رمىِ خصمه بالهروب من المعركة والجبن، وقد يستعمل الشاعر المعاني الجديدة من رمي المهجو بالكفر والشرك، وكان حسان رضي الله عنه يكثر من المعاني التقليدية فقد هجا الحارث بن هشام عندما هرب من معركة بدر وترك أخاه أبا جهل يُقْتَل؛ هجاه بقوله: إنْ كُنْتِ كاذِبَةَ الذي حَدَّثْتِني فَنَجَوْت مَنْجَى الحَارِث بْن هِشَام[11] تَرَكَ الأحبَّة أنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ونَجَا بِـرَأسِ طِمـِرَّةٍ ولجَـامِ[12] وقال حسان رضي الله عنه يهجو الحارث بن عوف بن أبي حارثة حين غدر قومُهُ برجل مسلم: يَا حَارِ مَنْ يَغْدُرْ بذِمَّةِ جَـارهِ مِنْكُـمْ فـإنَّ مُـحَمّداً لم يَغْـدُرِ إنْ تَغْدُرُوا فالغَدْرُ مَنْكُمُ شِيْمَة والغَدْرُ يَنْبُتُ في أُصُولِ السّخْبَرِ[13] ومن هجاء عبد الله بن رواحة قوله في قريش: خَلُّوا بَني الكُفّارِ عَنْ سَبِيْلِهِ خَلُّوا، فَكُلُّ الخَيْرِ مَعْ رسُولـه[14] وبعد فتح مكة تضاءل الهجاء ولم يكن له شأن كبير وكان الخلفاء الراشدون يمنعون الشاعر من سب الناس والتعرض لأعراضهم.
3- الحماسـة: أعلى الشعر الحماسي في الإِسلام صَاحَبَ الدعوة الإِسلامية منذ فجرها، فهو الشعر الذي يشجع المقاتلين من المسلمين على القتال ويعتز بانتصارات المسلمين على الأعداء، ومن الشعراء الذين كان لهم نصيب في هذا الشأن كعب بن مالك؛ فله أشعار حماسية في كثير من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك قوله في معركة أُحُد. فجئنا إلى مَوْج من البَحْرِ وَسْطَهُ أحابيْشُ منهم حاسِرٌ ومُقَنّعُ[15] ثَلاثـَةُ آلافٍ ونـحنُ نَصـِيةٌ ثَلاثُ مِئين إنْ كَثرْنَا وَأَربَـعُ[16] فَرَاحُوا سِرَاعاً مُوجِفِيَن كَأَنَّهُمْ جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءهُ الرِّيح مُقْلعُ[17] ورُحْنَا وأُخْرَانَا تَطَـانَا كـَأنّنَا أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلـَّعُ[18] ويقول في انتصار المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَضَيْنَا من تِهَامَةَ كُلَّ رَيـْب وَخَيْبَرَ ثُمَّ أجمَعْنَا السُّيـُوفَا نُخَيِّرُها وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَـتْ قَوَاطِعُهنَّ: دَوْساً أوْ ثَقِيْفَا[19] فَلَسْتُ لِحَاصِنٍ إنْ لَمْ تَرَوْهَا بِسَاحَةِ دارِكُمْ منًا أُلُوفـَا[20] فَنَنْتَزِعُ العُرُوشَ ببَطـْنِ وَجٍّ وَنَتْرُكُ دارَكُمْ مِنَّا خُلوفَا[21] وَنُرْدِي الّلاتَ والعُزَّى وَوَدّا وَنَسْلُبُهَا القَلائدَ والشُّنُوفَا[22] وقال عبد الله بن رواحة في يوم مؤتة بعد أن قُتِلَ صاحباه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب: أَقسَمْتُ يا نَفْسُ لَتَنْزِلـنّهْ طَائِعَةً أَوْ لا لَتـُكْرَهِنـّهْ وَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنّهْ مَالي أرَاكِ تكْرهينَ الجَنَّةْ[23] والشعر الحماسي صَاحَب الفتن التي حدثت بين المسلمين في زمن الخلفاء الراشدين منذ مقتل عثمان حتى مقتل علي رضي الله عنهما، وفي موقعة صفين وحدها أشعار حماسية كثيرة منها قول أبي الطفيل عامر ابن وائلة: كُهُولٌ وشُبّانٌ وساداتُ مَعْشَرٍ على الخَيْلِ فُرْسانٌ قَليْلُ صُدودها شِعَارُهُمُ سِيْمَا النّبـيّ وَرَايـَةٌ بِها انْتَقَمَ الرَّحْمنُ مِمّنْ يَكيْدُها[24]
4- الرثــاء: أعلى والرثاء من الأغراض التي كان لها شأن في زمن النبي صلى الله علبه وسلم والخلفاء الراشدين، فالحروب مستعرة، والفتن تتهدد المسلمين، وفقد الرجال يصحب تلك الحروب وتلك الفتن. ومن أهم ما قيل في الرثاء في هذه الفترة قول حسان في رثاء الرسول صلى الله عليه وسلم: بِطِيْبَةَ رَسمٌ للرسول ومَعْهَدُ منيرٌ وقد تَعْفُو الرسُومُ وتَهْمَدُ وهي قصيدة طويلة. وله قصيدة أخرى مطلعها: مَا بَالُ عَيْنِكَ لا تَنَامُ كأنّمَا كُحِلَتْ مآقِيْهَا بِكُحْل الأرْمَد ويقول فيها: يَا رَبِّ فاجْمَعْنَا مَعاً وَنَبِيَّنَا في جَنّة تَثْني عُـيُونَ الحُسّـدِ صَلّى الإِله ومَنْ يَحفُّ بِعَرْشِهِ والطّيبُونَ على المُبارَك أَحمدِ[25] وقال عبد الله بن رواحة يرثي حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما: بَكَتْ عيْني وحُقَّ لهَا بُكَاهَا وَمَا يُغْني البُكاءُ وَلا العَويْلُ عَلَى أسَدِ الإِلَهِ غَدَاةَ قَالـُوا أَحمْزَةُ ذاكُمُ الرَّجُلُ القَتِيْل عَلَيْكَ سَلامُ رَبِّكَ في جِنَانٍ مُخالِطُهَا نَعِيـمٌ لا يَـزُولُ وقد رُثِيَ الخلفاءُ الراشدون بمراث كثيرة فمما قيل في أبي بكر قول حسان رضي الله عنهما: إذا تذكرتَ شجواً من أخي ثِقَةٍ فاذكْر أخاكَ أبا بكْرٍ بما فَعلا وكان حِبَّ رسُولِ الله قد عَلِمُوا مِنَ البَرِيَّةِ لم يَعْدِلْ بِهِ رَجُـلا ومن خير ما قيل في رثاء عمر رضي الله عنه قول جَزْء بن ضرار الذبياني: جَزَى الله خَيْراً من أميرٍ وباركَتْ يَدُ الله في ذَاكَ الأديـمِ الممـزقِ[26] فَمَنْ يَسَعَ أَو يَرْكَبْ جَنَاحي نَعَامَةٍ لِيُدْرِكَ مَا حَاوَلْتَ بالأمْـسِ يُسْبَقِ قَضَيْتَ أُمُوراً ثُمَّ غَادَرْتَ بَعـْدَهَا بَوَائِقَ في أَكمَامِـهَا لَـمْ تَفَتّـقِ[27] وَمَا كُنْتُ أَخشَى أَن تَكونَ وَفَاتهُ بِكَفَّي سَبَنْتَى أَزْرَقِ العَيْنِ مُطْرِقِ[28] وقد رثى ايمن بن خريم بن فاتك الأسدي عثمان بن عفان فقال: ضَحّوْا بِعُثْمَانَ في الشَهْرِ الحَرَامِ وَلَمْ يَخْشَوْا عَلَى مَطْمح الكَفِّ الذي طَمَحوا مَاذَا أَرادُوا أَضـَلَّ الـله سَعْيَهـُمُ من سَفْحِ ذَاكَ الدَّم الزَّاكي الذي سَفَحوا إن الذين تَوَلـّوا قَتْلـَهُ سـَفَهـاً لا قَوْا أثَاماً وخُـسْرَاناً فَمـَا رَبحُوا[29]
أما رثاء علي بن أبي طالب فهو كثير نختار منه قول أبي الأسود الدؤلي: أفي شَهْر الصِّيامِ فَـجَعْتُمـُونَا بِخَيْر النَّاسِ طُراًّ أجْمَـعيْنَا قَتَلْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَـطَايَا وَخَيّسَها ومَنْ رَكِبَ السَّفينا[30] لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ حَيْثُ حَلَّتْ بِأَنَّكَ خَيْرُها حَسـَباً وَدِيْنـَا وإذا نظرنا في معاني الرثاء وجدناها تجمع بين المعاني القديمة من مدح للميت بالشجاعة وتحمل المسؤوليات، والمعاني الجديدة حيث يطلب الشاعر للميت الرحمة ودخول الجنة ويمدحه بمحبة رسول الله له، ومن معاني الرثاء إظهار الأسف بعدم التكافؤ بين القاتل والمقتول، وأيضاً من معاني الرثاء مدح الميت بالتدين.
معاني الشـعر أعلى الشعر في صدر الإِسلام مسخر لخدمة العقيدة الإِسلامية، فهو يختلف عن الشعر الجاهلي الذي لا يقف عند حدود معينة ولا يلتزم بفكر محدد، ولذلك فإن الشاعر الإِسلامي يختار من المعاني ما يخدم الإِسلام، ويوسع دائرته، أما المعاني الجاهلية فقد ابتعد عنها شعراء صدر الإِسلام حيث أَخذوا معظم معانيهم من القرآن الكريم ومن الحديث الشريف، فحسان رضي الله عنه أخذ معنى الآية الكريمة: {عَزِيزٌ عَلَيْه ما عَنِتمْ حريصٌ عليكُمْ بالمُؤمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيمْ} وجعله في هذا البيت: عَزيزٌ عليه أَنْ يَحِيدُوا عَنِ الهُدى حَريْصٌ على أنْ يَسْتَقِيْمُوا وَيَهْتَدُوا والنابغة الجعدي أخذ معنى الآية الكريمة: {يُولجُ الليلَ في النهارِ ويُولجُ النهارَ في الليل} وجعله في بيتين: الحَمْـدُ لله لا شـَريـكَ لَـهُ مَنْ لَمْ يَقُلْهَا فَنَفْسَهُ ظُّلُـمَا المُولِجُ اللَّيْلَ في النّهَارِ وَفِي اللّيْـ ـلِ نَهَاراً يُفَرِّجُ الظُّلُـمَا والمعاني الإِسلامية تبتعد عن التخبط، فهي تسير في طريق رسمه القرآن ووضحه الرسول صلى الله عليه وسلم فمسألة القضاء والقدر تخبط فيها الجاهليون؛ يقول زهير بن أبي سلمى: رأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ=تُمِتْهُ ومن تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَم وقد أبرزها الشعر الإِسلامي في معان جديدة مستمدة من القرآن والسنة، نجد ذلك في قول كعب بن زهير: لو كنتُ أعجبُ من شيء لأعجبنيِ =سَعْيُ الفَتى وهو مخْبُوءٌ له القـَدَرُ يسعى الفتى لأمورٍ لَيْسَ يُـدْركـُهَا =فالنّفْسُ واحدةٌ والهمُّ مُنـْتَشـِرُ والمرءُ ما عاشَ مَمْدُودٌ لـه أَجـَل= لا ينتهي العُمْرُ حتى يَنْتَهي الأثَرُ ومعاني الشعر الإِسلامي تعبر عن تقوى الله، وتنبئ عن الورع الذي يملأ قلب الشاعر، نجد ذلك عند كثير من الشعراء، ونذكر منهم بجير بن زهير ابن أبى سلمى الذي يقول: إلى الله لا العُزَّى ولا اللاَّتِ وَحْدَهُ فَتَنْجُو إذَا كَانَ النَّجاءُ وتَسلـمُ لَدى يَوْم لا ينجُو وَلَيسَ بِمُفـْلِتٍ مِنَ النّارِ إلاّ طَاهِرُ القَلْب مُسْلِم[31] ومعاني الشعر الإسلامي لم تنفصل انفصالاً تاماً عن معانَي الشعر الجاهلي فالمعاني التي أُهملت في الإسلام هي المعاني التي نفاها الإسلام وأنكرها، أما المعاني التي لم ينفها الإسلام فإنها بقيت متداولة لدى الشعراء في عصر صدر الإسلام؛ فالمدح الخالي من المبالغة موجود عند كعب ابن زهير وحسان وغيرهما، والهجاء الذي يقلل من شأن الكفار وينفرهم من الحالة التي يعيشون فيها موجود عند شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعاني الحماسية التي تهدف إلى قتل الكفار وتنشيط المقاتلين من المسلمين موجودة أيضاً في الشعر الإسلامي، ومعاني الرثاء عند شعراء صدر الإسلام تحمل معاني إسلامية، وتطلب من الله الغفران للميت، فالمعاني الإسلامية تبتعد عن المبالغة والكذب ورمي المحصنات، والفخر الكاذب الذي يحمل السباب والفحش، والغزل الذي يحمل المجون ويدعو إلى الفسق، فمعاني الشعر الإسلامي لا تخرج عما ورد في القرآن والحديث فهي معان تدعر إلى الفضيلة وتبعد عن الرذيلة.
أسلوب الشـعر أعلى يختلف أسلوب الشعر الإسلامي عن أسلوب الشعر الجاهلي، فأسلوب الشعر الإسلامي تأثر بأسلوب القرآن وأسلوب الحديث وتأثر بعاطفة المسلم الرقيقة، فالورع والتقوى ومخافة الله أوجدت أسلوباً يبتعد عن الجفاء والغلظة.. فالألفاظ في الشعر الإِسلامي ألفاظ سهلة يفهمها عامة الناس وقد نجد بعض الأبيات في قصيدة كعب بن زهير في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطبق عليها ما نقول من مثل قوله: بيضٌ سَوَابِغُ قد شُكّتْ لها حَلَق كَأنّها حَلَقُ القَفْعَاءِ مجْدُولُ[32] ولكن عندما نتذكر أن كعباً نظم هذه القصيدة قبل دخوله في الإِسلام يتضح لنا أن أسلوبها يختلف عن أسلوب الأدب الإِسلامي، فكعب لا يزال يختار الألفاظ كما يختارها الجاهليون. وتكثر الألفاظ الإِسلامية في أسلوب شعراء صدر الإِسلام مثل: الجنة، النار، الكفار، المشركون، الفاسق. وعبارات الشعر تأثرت بعبارات القرآن فأصبح الشاعر يحاول تقليد أسلوب القرآن فلا يستطيع فيضطر أحياناً إلى نقل العبارة كما فعل النابغة الجعدي في قوله: المولجُ الليلَ في النهارِ وفي الليـ ـل نهاراً يفرِّجُ الظلما كما يفعل حسان رضي الله عنهما، فعبارات الشعر الإسلامي وسط بين عبارات الشعر الجاهلي القوية وعبارات القرآن المتقنة، فقد خَفّت فيها قوة السبك التي نجدها في أسلوب الجاهليين ولم تستطع أن تحاكي أسلوب القرآن فأصبحت العبارة في الشعر الإسلامي وسطاً بين عبارة الشعر الجاهلي وعبارة القرآن الكريم. والشعر الإسلامي بعيد عن الصنعة في معظمه، فحسان رضي الله عنه يضطر إلى الرد على الوفود بشعر مرتجل، وعبد الله بن رواحة يرتجل في شعره. ولا شك أن الشعر المرتجل لا يمكن أن يكون أسلوبه متقناً، ونحن نستثنى شعر كعب بن زهير فقصيدته (بانت سعاد) تبدو عليها الصنعة فأسلوبها ينبيء عن ذلك. وأسلوب الشعر الإسلامي قريب من الحديث العادي فهو خال من التكلف في معظمه، ويقال على البديهة استجابة للموقف الذي يتطلبه، وخير شاهد على ذلك قول عبد الله بن رواحة: خلوا بني الكفار عن سبيله=خلو فكل الخير مع رسوله وقول كعب بن مالك: عَجِبْتُ لأمْرِ الله والله قَادِرُ =عَلى مَا أرَادَ لَيْس لله قاهـِر فأسلوب هذين البيتين ليس بعيداً من الحديث العادي.
_________________ تــوقــيـع
| لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدوديماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــوديفيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي |
| |
|