شبكة حصاة قحطان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لقبائل ال عليان والجحادروقحطان
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عاصي الشعراء العلياني
مدير العام
مدير العام
عاصي الشعراء العلياني


الدولة : السعودية
تاريخ التسجيل : 23/07/2010
عدد المساهمات : 3863

(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Empty
مُساهمةموضوع: (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916   (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Emptyالأربعاء يناير 18, 2012 5:27 pm

بسم الله الرحمن الرحيم


سطور تاريخيه للجزيره العربيه في المحفوظات لم تنشر حتا يوم الأربعاء 24 صفر 1433



غيرترود بيل (تقارير الاستخبارات البريطانية عن أوضاع الجزيرة العربية في الفترة 1916-

1917)-



خفاف الإبل

في فبراير 1914 بلغت قافلة غيرترود بيل مشارف جبل شمر وجاءها رسول الأمير ابن


رشيد يخبرها بانشغاله بغزوات خارج عاصمته حائل، وأن خاله (إبراهيم السبهان) يقوم

بمهامه بالنيابة عنه ومُنعتْ من دخول حائل، وسُمِح لها بالبقاء فقط في دار الضيافة خارج

أسوار المدينة.

مكثت غيرترود بيل في دار الضيافة عدة أيام وكانت تزورها من وقت لآخر فاطمة جدة

الأمير الشاب وأخريات. بعدها دعاها خال الأمير لزيارته في المجلس وجلست إلى يمينه

واحتست القهوة معه وأظهر لها الود. وقدمت إليه هدايا من الملابس الحريرية

ومسدسات ومناظير.

وقد تعرضت لضائقة مالية حين نفد ما عندها من مال. وكانت تحمل حوالة مالية بمبلغ

مئتي جنيه إسترليني تستحق السحب من حائل إذ دفعت قيمتها إلى وكيل ابن رشيد

في دمشق. وعندما طلبت مبلغ الحوالة قيل لها إن المخول بالدفع هو أمين خزينة الأمير

وهو أيضا مشارك للأمير في غزواته خارج المدينة. وأخيرا استطاع أحد أصدقائها إقناع

جدة الأمير التي كانت على ما يبدو المسؤولة الحقيقية عن الخزينة أن تعطيها بعض

المال.

في اليوم الأخير من زيارتها التي استغرقت اثني عشر يوما سُمِح لها بالتجوال في

المدينة وتحوّلت إلى ظاهرة يتجمهر حولها السكان. وقد وثَّقت غيرترود أحوال المدينة

والطبيعة الاجتماعية لأهلها وعاداتهم اليومية وكتبت عن حائل ما يلي: «... بالرغم من أن

حائل لا تختلف عن أي مدينة أخرى، فإنها تتمتع بنوع من البداوة... طرقها تكسوها رمال

الصحراء، وتخلو من دوران عجلات المركبات وصريرها، وكل ما يُسمع من ضوضاء المرور

هو صوت خفاف الإبل التي تسير على هذه الطرقات...»، (وهو التوصيف الذي أوردته في

مذكراتها في الثامن من مارس 1914)، والتقطت صورا فوتوغرافية نادرة تُعد اليوم مرجعا

مهما عن أحوال حائل قبل 90 عاما، عن الناس وطبيعة الملابس ومساكنهم والري

ومجتمع النساء.

منصب رسمي

بعد ذلك ذهبت إلى العراق التي طاب لها المقام فيه فأمضت بقية حياتها هناك. في

نوفمبر 1915، استدعيت غيرترود بيل إلى «المكتب العربي» في القاهرة (مكتب

الاستخبارات البريطانية الخاص بالعالم العربي) تحت قيادة الجنرالِ غلبرت كلايتون،

وقابلت لورنس العرب ثانيةً. في البداية لَم تعيّن في منصب رسمي؛ ولكن لسعة اطلاعها

ومعرفتها بالشؤون العربية أفاد المكتب من معلوماتها في أسلوب التعامل مع العرب

ومحاولة استمالتهم إلى جانب البريطانيين وتعبئة عواطفهم ضد الأتراك وتشجيع القوات

العربية للالتحاق بالبريطانيين.

في مارس 1916، وَصلَت بيل إلى البصرة- التي استولت عليها القوات البريطانية في

نوفمبر 1914- لمساعدة بيرسي كوكس Cox الحاكم البريطاني في العراق كضابطَ اتصال

مع «المكتب العربي» في القاهرة، وأصبحت المسؤول السياسي النسائي الوحيد في

القوات البريطانية، في هذه الأثناء تعرّفت على فيلبي Philby (الشيخ عبد الله فيلبي

لاحقا) ويقال إنها علّمتْه فنون التجسسِ الدقيقة.

خيار تشرشل النسائي

عندما استولت القوَّات البريطانية على بغداد في 10 مارس 1917، استدعى الحاكم

البريطاني للعراق (المندوب السامي) كوكس الآنسة بيل إلى بغداد ومنحها مسمى

سكرتيرة الحاكم لشؤون الشرق. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها كان من

نتائجها أن انهارت الامبراطورية العُثمانية في أواخر يناير 1919، فطلب من بيل تقديم

دراسة تحليلية عن الوضع الراهن والخيارات المستقبلية لإيجاد قيادة في بلاد الرافدين

(العراق). وكتبت تقريرا عُدّ مرجعا رسميا للبريطانيين. وقامت بدور حلقة الوصل بين

القيادات العربية ومكتب الاستخبارات البريطانية الخاص بالعالم العربي في القاهرة

المسمى «المكتب العربي». وكانت المرأة الوحيدة بين 39 رجلا اختارهم وينستون

تشرشل وزير المستعمرات آنذاك (رئيس وزراء بريطانيا لاحقا) للمشاركة في مؤتمر عُقِد

في القاهرة عام 1921 حول مستقبل العراق.

وفي المؤتمر أصرّت بيل على تنصيب الأمير فيصل ابن الشريف حسين ملكا على العراق

بعد أن طرده الفرنسيون من سورية (ملك سورية المَخْلُوع) وتمكّنت من إقناع تشرشل

بتنصيبه، وبذلك أصبح فيصل أول ملك للعراق.

«الخاتون»... صاحبة النفوذ

عندما وصل فيصل إلى العراق في يونيو 1921، أصبحت بيل المستشار الشخصي

والسياسي له واهتمت بالأمور المحليّة وشؤون القبائل وأشرفت على اختيار المُعيّنين

للمناصب المهمة في الحكومةِ الجديدة. وتُوّجَ فيصل ملكا على العراق في 23 أغسطس

. (الملك فيصل ولد بالطائف عام1885، درس في مدارس اسطنبول واختير عام

1913 نائبا عن مدينة جدة في مجلس النواب العثماني، أجاد الملك فيصل اللغتين التركية

والفرنسية إلى جانب لغته العربية، وتوفي في سويسرا عام 1933 ودفن في بغداد).

وأصبحت بيل الشخصية المؤثرة والمتنفذة في الحكومة العراقية ولتأثيرِها على الملك

الجديد أطلق عليها لقب «الملكة غير المتوَّجة للعراق»، و«الخاتون» وتعني السيدة.

وأصبح التقرب إلى الخاتون وكسب ثقتها ورضاها هدفا لكثيرين من الساسة والمتطلعين

إلى المناصب والنفوذ، أما من يعاديها أو يختلف معها، حتى لو كان من أبناء جلدتها، فإن

مصيره النفي والنقل ومن ضمن مَن تعرض لانتقامها زعيم البصرة طالب النقيب الذي كان

مرشحا لتولي عرش العراق والسياسي البريطاني الشهير فيلبي. (حسبما أورد

عبدالرحمن منيف في تقديمه لـ«غيرترود بيل»)

وقد أحبت بيل العراق وأصبح بلدها الأول وقد عبّرت عن ذلك بقولها في إحدى رسائلها

إلى والدها لست مهتمة بالعودة إلى لندن فأنا أحب بغداد، إنها الشرق الحقيقي تغمرني

على الدوام وتحتويني برومانسيتها.

أديبة مفعمة بالإحساس

إلى جانب عملها السياسي اهتمت بيل بالآثار العراقية والتنقيب عنها وأشرفتْ على

الاكتشافات وجمعت المصنوعات اليدوية وفيما بين عامي 1923 و1926 عملت على

إنشاء متحف للآثار في بغداد وأصبحت مديرة له. وكان المتحف في البداية داخل أسوار

القصر الملكي. وكان لها رأي حول الآثار بأن تبقى آثار كل بلد في بلدها الأصلي لا أن

تُنقل خارجه، وهذا التوجه كان مخالفا للرأي الأوروبي السائد آنذاك، وتم افتتاح المتحف

في يونيو 1926. بالإضافة إلى أدوارها السياسية تجدر الإشارة هنا إلى أن بيل كانت أديبة

مفعمة الإحساس وقد أفادت من تعلمها الفارسية وإجادتها لها بالقيام بترجمة ديوان

الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي ترجمة رصينة اعتبرها النقاد أفضل ما تُرجِم من

الشعر الفارسي إلى الإنكليزية.

الكآبة والانتحار

واجهت غيرترود بيل في أواخر حياتها بعض المشكلات الصحية والأسرية: من اعتلال في

الصحة إذ كانت تعاني أمراضا رئوية، ومشكلات أسرية تمثلت بوفاة أخيها بالتيفوئيد في

انكلترا وأفول نجم عائلتها ماليا، فانتابتها أحاسيس بالوحدة واستولت عليها الكآبة، مما

دفعها إلى الإقدام على الانتحار بتناولها جرعة زائدة من دواء منوم في 12 يوليو 1926.

ولم تتزوج غيرترود بيل طوال حياتها ولم يكن لديها أطفال. ودفنت في المقبرة البريطانية

في الباب الشرقي في بغداد. وقد خلّفت غيرترود بيل وراءها بعد وفاتها أرشيفا ضخما

من الرسائل والصور الفوتوغرافية بلغت حوالي 7000 صورة أودعت في مكتبة جامعة

نيوكاسل، والصور أغلبها يتعلق بالمظاهر المختلفة في حياة شعوب منطقة الشرق

الأوسط. أما الرسائل فهي التي أرسلتها إلى أبيها إلى جانب مذكراتها أو يومياتها التي

كانت تدوّن فيها كل شيء عن رحلاتها ونشاطاتها السياسية.

وقد قامت زوجة أبيها- بعد سنة من وفاتها- بنشر رسائلها في مجلدين ضخمين. ولاقت

رسائلها رواجا وإقبالا منقطع النظير من القراء في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية

حتى عُدّت من أكثر الكتب مبيعاً على ضفتي الأطلسي في الثلاثينيات.




(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229604809390440800_smaller

صورة نادرة لملك العراق فيصل



(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229527680177997700_smaller


الخاتون تتأمل وتراقب الصحراء بينما يحيط بها عدد من مرافقيها أثناء رحيلها من أراضي

مدينة حائل


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229528065048013600_smaller


أدلة الصحراء كانوا مهرة في اختيار الطرق القريبة من آبار المياه



(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229527912708009500_smaller

الخاتون كانت تحرص على اختيار مرافقيها بعناية وكذلك الإبل القوية القادرة على تحمل

مشاق الصحراء وثقل حمولة المؤن والهدايا



(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229528160258019300_smaller


وجوه عربية استقبلت الخاتون باسمة بينما كانت توثق وتبحث وتنقب وتعمل في

الصحاري العربية


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229527990928011800_smaller


لحظة ارتواء نادراً ما ينعم بها كثير من البشر والإبل في الصحراء القاحلة



(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90373_1229528347358027700_smaller


طرقات حائل ومبانيها وأهاليها قبل 90 عاماً









الجزء الرابعه



التمرد ضد سلطان مسقط (مايو 1913 يوليو 1916)

ترجع أسباب التمرد ضد سلطان مسقط من ناحية إلى خلافات قديمة وعميقة الجذور،

ومن ناحية أخرى إلى رد الفعل تجاه السياسة الأوروبية الحديثة في الخليج فيما يتعلق

بالشؤون الداخلية لعمان (حسبما ورد على لسان غيرترود في «النشرة العربية» في

أكتوبر 1916). والسبب الرئيس للخلافات والقلاقل من بين الأسباب المذكورة آنفا هو

الصراع الغريب والمثير للاهتمام الناتج عن المنافسة الحادة منذ القدم في عُمان بين أهل

القبلة وأهل الشمال، أي القبائل الجنوبية ذات الأصل اليمني والقبائل الشمالية المتحدرة

من سلالة نزار بن معد والتى يمثلها على التوالي في عمان قبيلتا الهناوية والغافرية.

تأجيج الصراع

ورغم أن هاتين القبيلتين متماثلتان إلى حد كبير حسب التقسيمات القديمة ولم تكن

علاقاتهما تتسم بوجود عناصر عداء واضح، فإن اندلاع الحروب الأهلية التي عصفت بعمان

في القرن الثامن عشر ساهمت في إحياء العصبية القبلية والعداوة التي ترجع إلى أيام

ما قبل النبي (ص). وبشكل عام فإن الغافريين أو النزاريين في الوقت الحالي موالون

لسلطان مسقط بينما الهناويون أو اليمنيون مؤيدون للإمام.

المصدر الثاني الذي أجج الانقسام بين السلطان ورعيته بالداخل كان نقل العاصمة فى

عام 1784 من الرستاق في وادي فرا إلى مسقط، وتم ذلك على يد حمد ابن الإمام

سعيد بن أحمد. وسعيد هو ابن مؤسس أسرة البوسعيدى، وكان آخر إمام منتخب في

عمان يمسك بمقاليد السلطة، وعند إجباره على التنحي لمصلحة ابنه الأكثر قدره، تُرك

في الرستاق يحيا حياة بلادة وخمول، بينما نُقل مقر الحكومة إلى الساحل. وبهذا اطمأن

حكام عمان إلى الحصول على إيراد سهل من الجمارك المحصلة مما يمكنهم من الحفاظ

على هيبة السلطة من خلال الرشوة فقط.

وقد أعفاهم هذا من ضرورة الاعتماد على التوازن العسكري والسياسي للمحافظة على

أنفسهم وأصبحوا معرضين للتأثيرات الأجنبية التي أبعدت عنهم تعاطف القبائل الموجودة

فى الداخل.

عصيان الإباضية

القلاقل الجديدة (في عمان) ترجع إلى هذه التأثيرات الأجنبية وإلى اعتماد سلاطين

مسقط على القوة البحرية والعسكرية الأجنبية وإلى الخضوع للمتطلبات الأجنبية في

موضوع تجارة العبيد والأسلحة. ورأى السلطان الراحل/ السيد فيصل بن تركي في حظر

الحكومة البريطانية تجارة الأسلحة فائدة عظيمة يجني هو ثمرتها حيث إن رعاياه

المتمردين أصبحوا غير قادرين على تزويد أنفسهم بالأسلحة لكي يستخدموها ضده،

وقبيل وفاته وصل السخط الذى سببه بين القبائل إلى مداه.

وقام الشيخ الأكبر للإباضية (الإمام سالم بن راشد الخروصي) التي ينتمي إليها معظم

القبائل الهناوية بإثارة البلاد بخطبه ومواعظه، موضحا أن مخزن الأسلحة يستخدمه

الإنكليز كوسيلة لحرمان قبائل عمان من الأسلحة الحديثة، وفى مايو من عام 1913 قام

إمام تنوف، وهو سالم بن راشد الخروصى بحركة عصيان.

الثورة العظيمة

وفي شهر يونيو سقطت «نزوى»، وهى واحدة من المدن الرئيسة في عمان، وبعد ذلك

سقطت «أزكى» التي تقع إلى الشرق مباشرة من «نزوى» في الشهر التالي. وبعد

سقوط «أزكى»، فإن المتمردين الذين كان بينهم كقادة مؤقتين الشيخ حمير بن ناصر

ونبهان قد شاركهم الشيخ عيسى بن صالح ابن الشيخ المشهور صالح بن على الحارثى

في تميمة بنى ريام الذي قاد الثورة العظيمة ضد السيد فيصل عام 1895. والشيخ

عيسى وهو رجل ذو شخصية قوية وصارمة ولا يسهل انقياده لتلقى الرشاوى، كان يعد

الشخصية البارزة فى التحالف الفيدرالي.

قصف بحري

وفى يوليو 1913 أصبح الموقف منذرا بالخطر... فأرسلت الحكومة البريطانية حامية

صغيرة إلى «مطرح» الواقعة على الساحل شمالي مسقط ولكن المتمردين واصلوا

زحفهم واستولوا على الأراضي، وفى أغسطس سقطت سمائل في أيديهم. وفى

سبتمبر قمنا بمضاعفة عدد الحامية من بيت الفلاج بالقرب من مسقط. وتوفى السيد

فيصل فى أكتوبر وخلفه ابنه السيد تيمور الذى يحتفظ بصداقة شخصية قديمة مع

الشيخ عيسى فتم فتح باب التفاوض معه ونتيجة لذلك قام الشيخ عيسى بزيارة مسقط

فى شهر ديسمبر. ومع ذلك لم تتحقق النتائج المرجوة للوصول إلى حل دائم، وفى أبريل

1914 تم إرهاب المتمردين بقصف بركاء والقريات بواسطة السفينتين الملكيتين فوكس

Fox ودارتماوث Dartmouth، ولكن في أغسطس تجددت الأنشطة العدائية مما جعل من

الضروري القيام بإرسال تعزيزات إلى الحامية في مسقط، وفى يناير 1915 قام أتباع

الإمام بمهاجمة المواقع الخارجية البريطانية ونالوا هزيمة ساحقة.

إغراءات قوية

قام نائب الملك [البريطاني] بزيارة مسقط فى الشهر التالي وانتهز الفرصة لنصح

السلطان للتوصل إلى اتفاق للتصالح مع رعاياه المتمردين، مشيرا إلى أن الحامية

البريطانية لن يتم الاحتفاظ بها بصفة دائمة، وعرض عليه خدمات الوكيل السياسي

للعمل كوسيط، وقد قام هذا الأخير بتلخيص الصعوبات في الموقف في النقاط التالية:

1- إن مفتاح الموقف بيد المتمردين... فهم يسيطرون على وادي سمائل والحصن وهما

أساسيان بالنسبة لازدهار مسقط تجاريا.

2- إن الانتفاضة اتخذت صفة دينية حيث كان الإمام يدعو للجهاد، علاوة على ذلك فإن

قواتنا قد قتلت الكثير من المتمردين خلال الهجمات الفاشلة التي شنوها في يناير مما

استثار مشاعر السخط ومن الصعب تهدئتها.

3- إن عرض مخصصات للقبائل من المحتمل ألا تكون وسيلة إغراء قوية: فالإمام ربما

تمنعه مخاوفه الدينية من قبول مخصص له، والقائدان الآخران يتمتعان بمداخيل طيبة

من منصبيهما بالإضافة إلى تخصيص الأراضي الرسمية لهما في الداخل.

4- إن خفض أفراد الحامية إلى قوتها العادية سيؤدى إلى ترك السلطان من دون دعم.

وأن السفينة الملكية في زمن سلم بحيث لا تكون على بعد ساعة من مسقط فى حالة

استدعائها كما كان الحال عليه في حالة الحرب.

إلا أن التقارير المرسلة من الداخل تفيد بأن المتمردين قد أصابهم الإحباط نتيجة للأثر

السلبي لأحداث يناير وأنهم متلهفون إلى التصالح، وقد كان السلطان سعيدا بقبول

الوساطة المقترحة من جانب الوكيل السياسي، وفى أبريل قام الوكيل بإرسال خطابات

إلى قادة المتمردين الثلاثة وهم: الإمام سالم بن راشد الخروصى، والشيخ عيسى بن

صالح، والشيخ حمير بن ناصر طالبا منهم أن يذكروا صراحة وجهات نظرهم ومشاعرهم

وعرض عليهم أن يحاول التوصل إلى تسوية مؤقتة.

ورد الإمام بأنه عليه أن يستشير شعبه الذين هم تحت سيطرة مشايخهم، وأن هؤلاء

المشايخ متناثرون في أنحاء البلاد من الشرقية إلى نزوى، وأنه قد تم استدعاؤهم

لحضور مؤتمر. واقترح حمير إرسال بعثة إسلامية لمناقشة الأمر، أما الشيخ عيسى بن

صالح لم يرد حتى شهر مايو عندما تم استلام خطاب منه لا يحمل توقيعا ولا ختما وذلك

عن طريق الإمام، وكانت لهجته وديّة وأظهرت الرغبة في إجراء المفاوضات، وذكر أنه

سيرسل مبعوثا هو عبد الله بن حمد للقاء السلطان.

مؤامرة الألمان

وأوضحت التقارير كلها أن إرسال الوكيل السياسي تلك الخطابات تعتبر من الناحية

الشعبية علامة على الضعف من جانب البريطانيين الذين وُصفوا بأن لديهم الرغبة فى

سحب قواتهم، ولم يغب الدليل على وجود مؤامرة حبكها العملاء الألمان بالداخل، فلقد

كان هناك اعتقاد بصفة عامة من جانب القبائل بأن الألمان كانوا منتصرين، وأن القيصر

وأتباعه قد اعتنقوا الإسلام، وأن الفرصة مواتية لدحر السلطان والإنكليز وطردهم خارج

البلاد.

وعلى الرغم من الصفة الودية التي اتسم بها خطاب الشيخ عيسى، فإن السلطان كان

مقتنعا بان العنصر الديني كان معارضا للسلام. وفي خطاب تم الاستيلاء عليه كتبه ناصر

بن سليمان السيابى من سمائل، ذُكر فيه أن الإمام سالم بن راشد الخروصي والشيخ

حمير قد تقبلوا نصح الشيخ عيسى؛ ولكن الإمام لن يوافق على الاستسلام الصريح

وسوف يقاتل إلى النهاية لإطاحة الوضع الحالي حيث لا يوجد أي قانون أو عدل إسلامي.




(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90627_1229617407871194000_smaller


حكام سلطنة عمان في لقطة تذكارية أثناء حقبة التمرد في مطلع القرن الماضي


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90627_1229617523761196400_smaller

شخصيات عمانية شاركت في الاحداث الساخنة التي شهدتها السلطنة أثناء الحرب

العالمية الأولى


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90627_1229617811071205200_smaller

قلعة نزوى سيطر عليها المتمردون على السلطان العماني في منتصف 1913



(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90627_1229618007821209400_smaller


حصن باهلا المنيع إحدى القلاع العتيقة الضاربة في جذور التاريخ العماني







الجزء الخامسه



ترحيب شعبي

في أعقاب الردود من جانب قادة التمرد الثلاثة الشيخ الأكبر للإباضية الإمام سالم بن

راشد الخروصي والشيخ حمير بن ناصر والشيخ عيسى بن صالح، قام حميد الفليتي من

وادي المعاول بزيارة الوكيل السياسي، بغرض الحصول على معلومات إضافية، بشأن

شروط التفاوض، وهو رجل معروف بالذكاء والتهذيب ولديه مصالح تجارية في سوقطرى

ويعرف السلطات العدنية وقد استخدموه كوسيط في أحد النزاعات في سوقطرى... وقد

عبر عن آرائه التي من المحتمل أنها آراء قادة المتمردين... وهي كما يلي:

1- إن الشعب كله قد رحب بالتدخل البريطاني... ولكنه متلهف إلى معرفة ما الذي

سيجنيه من ذلك.

2- إن السلطان لم يكن متلهفا بالفعل إلى المصالحة... ولكنه تحرك بناء رغبة في إرضاء الإنكليز.

3- إن السلطان لا يؤمن بالعقيدة المحمدية (الإسلام) ويعد ملحدا.

4- يمكن الموافقة على السلام فقط بناء على الشروط الآتية:

(أ‌) الاعتراف الكامل بالشريعة كما يمارسها الإمام بدلا من النظام الظالم الحالي، الذي

يتناول القضايا المدنية والجنائية، ويجب ألا توجد محسوبية بشأن الأشخاص المرتبطين

بالقصر.

(ب‌) إبعاد القوات البريطانية وفك الحصار البري على الواردات إلى الداخل.

(ت‌) التسوية الكاملة للمطالبات المالية للقبائل الداخلية.

(ث‌) حظر استيراد النبيذ والمشروبات الكحولية والتبغ.

(ج‌) اعتبار السلطان حاكما لعمان، ولكن يجب أن يقوم الإمام بإدارة البلاد طبقا للشريعة

سواء بصفة شخصية أو من خلال ممثل له في مسقط.

(ح‌) السماح بحرية شراء الأسلحة والذخيرة.

رد بريطانيا العظمى

تم إبلاغ حميد الفليتي بصفة عامة بأن الطلبات التي لا يمكن النظر فيها:

1- أي طلب لا يعترف بالحقوق المشروعة للسلطان في مسقط وفي الداخل.

2- أي طلب ينطوي على مخالفة حقوق المعاهدة المبرمة بين بريطانيا العظمى

والسلطان والتي لا تعترف إلا بالسيد تيمور.

3- أي طلب قد يؤدي أو يعوق تجارتنا.

4- أي طلب يعارض عدم استمرار وجود مخزن الأسلحة.

وفي يونيو تم استلام خطابات من حميد الفليتي ومن قاضي الإمام، وهو عبدالله بن

راشد الهاشمي، والخطاب الأخير من دون توقيع أو ختم، ولكنه يدل على أنه يمثل آراء

الإمام. وقد اعترف حميد بأن جهوده لم تنجح مع الإمام، وقال إنه أمر أساسي أن يعاد

العبيد الهاربون إلى أصحابهم، ويجب السماح بشراء الأسلحة والذخيرة، ويجب إيقاف

الضرائب الباهظة التي يقوم السلطان بجبايتها، وإنه لن يتم الاعتراف بأي قانون سوى

الشريعة (الإسلامية).

العبيد والخمور

اشتكى القاضي من:

1- إيقاف تجارة العبيد وهي تجارة متفقة مع القوانين الإسلامية.

2- ادعاء البريطانيين بأن لهم السيطرة على البحر وهو مشاع للكل.

3- تدخل البريطانيين في شؤون سلاطين عمان ودعمهم في أمور مخالفة لدينهم.

4- إن شعب عمان يعاني:-

(أ‌) هبوط قيمة الدولار.

(ب‌) ارتفاع أسعار الغذاء والكساء.

5- أخيرا قدم شكوى ضد البريطانيين من وجهة نظر الإسلام لأنهم يحللون الحرام مثل

بيع الخمور والتبغ، ويحرمون الحلال مثل تجارة الأسلحة والعبيد.

وكان مستحيلا اتخاذ إجراء بشأن خطاب لم يصدر من الإمام نفسه، وربما لا يمثل آراءه

تماما، ولذلك رفض الوكيل السياسي الدخول في مفاوضات أخرى إلى أن قام الإمام

بنفسه بعرض شروطه.

تأديب بني بطاش

قرب نهاية شهر يونيو قام رجال بني بطاش، وهي قبيلة هناوية تقيم جنوب مسقط بشن

أعمال عدائية صريحة، إذ قامت قوة مكونة من 500 فرد بالإغارة وإتلاف بساتين نخيل في

وادي حتات، ولقد ذكر بأنهم وصلوا إلى الحاجر، وهي على مسافة ست ساعات من بيت

الفلاج- مقر الحامية البريطانية.

وتلقى المقاول البحري خان صاحب نصيب بن محمد رسالة منهم يطلبون فيها أن يدفع

لهم 1100 دولار كزكاة عن بساتين نخيله في الحاجر، ولكن والي حيل التابع للإمام أبلغه

بأن مبلغ 300 دولار سيكون كافياً. وقد قام بدفع ذلك المبلغ بناءً على علم السلطان

وموافقته، ولم يتأخر السلطان عن تنظيم حملة تأديبية ضد بني بطاش ومع نهاية يوليو

خضعوا له واستسلموا من دون شروط، وسقطت مدينتهم الرئيسية بالداخل وهي حيل ا

لغاف، بالإضافة إلى دغمر الساحلية حيث انتقل السلطان لبناء حصن فيها.

جباية الضرائب

من القريات حيث شرع السلطان بمباشرة عملياته ضد بني بطاش واصل مع قواته

المنتصرة الزحف إلى السيب، وكان الإمام مستولياً على حصون سمائل، ولم يكن

السلطان واثقا بالقبائل المحلية على الرغم من أن رجالها قد أفرطوا في عرض ولائهم

له. وعندما ذهب رجال القبائل إلى الإمام قام بالقبض على شيوخهم وزج بهم في

السجن لأنهم قاموا بزيارة السلطان في السيب. وذُكر أن القبائل كلها تعاني جباية الزكاة

المفرطة والضرائب المضاعفة التي كان الإمام يقوم بجبايتها في الداخل والسلطان على

الساحل.

وفي يوليو استلم الوكيل السياسي خطابا مشتركا من حميد الفليتي والقاضي. ولقد


كررا فيه تظلماتهما السابقة، وذكرا ضمن المسائل الإضافية شكواهما بشأن قصف بركاء

بالسفينة فوكس في عام 1914 ان التجارة المباشرة بين بلدات الساحل وعدن وبومباي


وكراتشي قد توقفت لأن السفن كلها أُجبرت على التوقف في مسقط ودفع الرسوم

الجمركية هناك.

الهجوم على السلطان

في أغسطس قام رؤساء المتمردين بالاتصال بالوكيل السياسي من خلال خطاب موقع

من كل من: الإمام وعيسي بن صالح وحمير بن ناصر والقاضي، وقد طلبوا فيه تنظيم

اجتماع يعقد مع ممثل الإمام، وهو الشيخ عيسي بن صالح بالقرب من السيب، وقد

أضافوا بلهجة تحدٍ أن الاجتماع يجب أن يعقد في أسرع وقت ممكن إذ إن الإمام قد قام

بحشد جمع هائل من القوات بغرض مهاجمة السلطان، وانه لا يمكن تأجيل العمليات

لأكثر من بضعة أيام، وقد قام بتجميع رؤساء القبائل المتمردة في سرور بالقرب من

سمائل لسماع نتيجة المؤتمر.

وتمت الموافقة على الاجتماع المرتقب وذهب الوكيل السياسي إلى السيب في 10

سبتمبر في السفينة الملكية دلهاوسي Dalhousie. ولكن حميد الفليتي أبلغه بأنه

بسبب وجود اضطرابات بالداخل، فإن عيسي بن صالح لن يتمكن من الحضور إلى السيب

حتى 15 سبتمبر، وبدا أن العذر كان حقيقياً فلقد كانت المشكلة هي مصرع خلف بن

سنان شيخ قبيلة بني علي، وهي قبيلة هنائية مهمة، ووافق الوكيل السياسي على

العودة في 15 سبتمبر.

حصون سمائل

في ذلك التاريخ التقى بالشيخ عيسى وأخيه وقاضي الإمام، وتمت مناقشة تظلمات

ومطالب المتمردين وتوصل الوكيل السياسي إلى نتيجة مفادها أنه مع وجود استثناء أو

استثناءين فإنهم عاجزون عن التسوية، ولقد نشأت الصعوبة الرئيسية بخصوص طلب

السلطان استسلام حصون سمائل، وقد كان الشيخ عيسي في البداية ميالاً إلى

الموافقة على ذلك؛ ولكن قهره التعصب الأعمى من جانب القاضي الذي أعلن ان

الحصون لا يمكن استسلامها مطلقاً والإمام على قيد الحياة وأيّد موقفه بأسانيد من

الشريعة، وفسح المجال الشيخ عيسي وتم رفض الطلب من دون شروط.

ومنذ انعقاد المؤتمر أصبح المتمردون نشيطين في الاستعداد والدعاية، وفي أكتوبر 1915

قيل إن الإمام والشيخ عيسى كانا موجودين في الشرقية في انتظار وصول الشيخ

حمير لمهاجمة صور، وقد اشتركت معهم القبائل المحلية كلها في ما عدا بني بوحسن

(هناوية) وجنابه (غافرية)، وقد أصاب الذعر أهالي صور وأرسلوا رسائل إلى السيد نادر

شقيق السلطان طالبين فيها المساعدة.

الصلح مرغماً

في نوفمبر وصلت الأخبار إلى مسقط بأن علي بن صالح شقيق الشيخ عيسي قد

اختلف مع الشيخ عيسي، وأنه يسعى الى نيل صداقة السلطان، ولقد كان أخوا الشيخ

عيسى، وهما علي وحمد، مجرد قطاع طرق وأقل في الحنكة السياسية من الشيخ

عيسى، وقد كانت قبيلة الرحبيين، وهي قبيلة غافرية، عادة من أتباع سلاطين مسقط،

وقد قيل إنهم على وشك مهاجمة الحامية البريطانية في بيت الفلاج.

وفي يونيو 1916 حدث انشقاق في صف السلطان، فالشيخ ناصر بن حميد، وهو رئيس

بهلاء، تم إجباره على التصالح مع الإمام لكي يطرد مظفر والي السلطان في المدينة

الساحلية الخابورة، والذي كان معه في الحصن في بهلاء، والشيخ ناصر رجل له

شخصية قاهرة، وقد استولى على منصبه عام 1885 باغتيال أخويه الاثنين، ولقد كان

محمياً من السلطان الذي دفع له مبلغاً كبيراً من المال وأعطاه بالإضافة إلى ذلك أسلحة

وذخائر وأرزا، ولقد اضطر إلى اللجوء إلى العراق على الطرف الغربي الأقصى من عمان

خوفاً على حياته.

انشقاق القوات

كان الإمام طبقاً لآخر التقارير (يوليو 1916) بالقرب من نخل في وادي المعاول الخصيب

وقيل إنه ينوي أن ينصِّب نفسه حاكماً على الوديان كلها التي تحمل ذلك الاسم، وقد

شاركه شيخ المزاحيط المجاور له بالقرب من الرستاق مما أدى إلى انشقاق في رجال

السلطان يقدر عددهم ما بين 500 إلى 1000 رجل، وقرب نهاية يوليو قام أحمد بن

إبراهيم وهو ابن عم السلطان وصديقه بالاستسلام للإمام، وكان في حيازته حصون

الرستاق وحزم، وقد جرت بعض المناقشات بشأنه بين الإمام والشيخ عيسى، ولقد كان

الأول يرغب في إزاحته من الرستاق بينما الأخير كان يفضل بقاءه في منصبه.

وبالطبع ساعد شهر رمضان على تأخير أي عملية إحياء نشيطة للتمرد، ولكن التقارير

الحالية تشير إلى أن أمور مسقط قد تظهر إلى الوجود مرة أخرى خلال الشتاء القادم












الجزء السادسه




ابن سعود

تعد زيارة ابن سعود إلى البصرة في 27 نوفمبر 1916 حلقة مهمة في حملة بلاد ما بين


النهرين -العراق- لا تكمن أهميتها للمراقب العادي فحسب، بل تتجه إليها أنظار كل مهتم

ودارس لشؤون الجزيرة العربية السياسية.

وخلال القرن (التاسع عشر)، فإن الجزء الداخلي لشبه الجزيرة العربية تركزت أحداثه

التاريخية حول المنافسة بين أميري شمال نجد وجنوبه، وهما ابن رشيد وابن سعود.

عندما كان عبدالعزيز الممثل الحالي لبيت آل سعود صبياً عمره خمسة عشر عاما كانت

سلطة وقوة آل رشيد قد بلغت ذروتها، ولقد قام الأمير الكبير محمد بن رشيد بطرد آل

سعود إلى المنفى واحتل عاصمتهم الرياض. وفي تلك الفترة كان الأمير ابن رشيد هو

المضيف المُكره لريتشارد داوتي Doughty (تشارلز داوتي 1843- 1926، هو رحالة

ومستكشف إنكليزي قام برحلة إلى الجزيرة العربية عام 1876 وسمى نفسه خليل،

وزار حائل عامي 1877 و1878 إبان حكم الأمير محمد بن رشيد، ولم يكن ضيفا على

الحاكم لأنه جاء إليه بغير دعوة... وكان متعاليا فظا يتباهى بمسيحيته أمام أناس

متعصبين دينيا، ومع ذلك قام الأمير محمد بحمايته--- المترجم).

مرارة القهر وذاكرة البدو

وبقي عبد العزيز قرابة أحد عشر عاماً منفيا يتجرع مرارة القهر، وفي عام 1902 وجد

شيخ الكويت، التي تقع بلاده على الخليج (العربي)، في الأمير الشاب سلاحاً واعدا ضد

عدو مشترك هو ابن رشيد فمنحه الفرصة، وبواسطة قوة مؤلفة من نحو ثمانين رجلاً

يمتطون جِمالا زودهم بها شيخ الكويت قادها عبدالعزيز باتجاه الرياض، وانقض على

حامية ابن رشيد في الرياض على نحو مفاجئ، وأثار الذعر فيها وقتل ممثل ابن رشيد،

ونصَّب نفسه أميراً على المدينة التي تمت استعادتها.

وقصة هذه المغامرة الجريئة لاتزال عالقة في مخزون ذاكرة البدو، وهي وصول تلك

الفرقة الصغيرة الى بساتين النخيل جنوب المدينة، وانتظار رجالها حتى حلول المساء،

ومن ثم تسلق عبدالعزيز وثمانية من رفاقه المنتقين أسوار القصر، وقد أفزع وميض

سيوفهم الخصوم النائمين، وعند انبلاج الفجر تم فتح أبواب المدينة ليدخلها رفاق النصر.

ولم ينتهِ الصراع بالاستيلاء على الرياض، وعلى العكس فلقد تجدد عاماً بعد آخر واسترد

عبدالعزيز أراضى آبائه وسطر لنفسه اسما رددت صداه الصحارى.

صداقة حميمة مع شكسبير

وبالتفصيل... ففي عام 1913 دفعته طاقته المتفجرة إلى الدخول في ميادين أوسع ذات

أهمية سياسية، واستولى على منطقة الإحساء الواقعة تحت سيطرة الأتراك، وقد كانت

في الماضي تابعة للرياض، وطرد منها الحاميات التركية واحتل مكانة مرموقة على

ساحل الخليج (العربي).

ويرتبط عبد العزيز بعلاقة صداقة شخصية مع الكابتن شكسبير، وكيلنا السياسي في

الكويت، ولم يكن هناك شيء أكثر تأكيداً على أن ظهوره على ساحل الخليج سوف

يجعله على اتصال مباشر ببريطانيا العظمى، ولكن قبل تحديد المسألة الصعبة بشأن

علاقته الدقيقة مع القسطنطينية، فإن اندلاع الحرب مع تركيا أعفانا من كل الالتزامات

بالحفاظ على موقف محايد.

في شتاء عام 1914/1915 اتخذ الكابتن شكسبير طريقه للمرة الثانية إلى داخل نجد

واشترك مع ابن سعود الذي كان يزحف نحو الشمال لصد هجوم ابن رشيد المجهز

والمدعم من قبل الأتراك، والتقت القوتان في (جراب بين الزلفي وبريدة) (وكان النص

الأصلي قد جاء به «في سدير»... وهذا خطأ، بل هي في جراب بين الزلفي وبريدة---

المترجم).

هزيمة نكراء متوقعة

وفي التحام غير حاسم، شارك فيه الكابتن شكسبير ليس بصفته مقاتلاً لكنه جرح وقتل،

ولقد فقدنا فيه ضابطاً شجاعاً ذا معرفة بوسط شبه الجزيرة العربية (نجد)، يتمتع بمهارة

نادرة في التعامل مع رجال القبائل وهذه الخصلة ساعدته بالقيام بمهنة مفيدة ومتميزة،

ولقد عاشت أعماله بعده. (وكان الكابتن ويليام شكسبير 1878- 1915، كتب قبل مقتله

رسالة إلى غيرترود بيل قال فيها: «إن ابن سعود يستعد الآن للقيام بحملة عسكرية ضد

ابن رشيد وسوف يهزم جيش ابن رشيد هزيمة نكراء... وإنه ليس من المستغرب أن نكون

في حائل في الشهر القادم، وأصبح أنا مستشارا سياسيا لابن سعود...».

وفي 22 يناير 1915 شارك شكسبير مع جيش ابن سعود المؤلف من 6 آلاف رجل، وقبيل

بدء المعركة طلب ابن سعود من صديقه شكسبير ابتعاده عن ساحة المعركة لكونه

إنكليزيا إلا أنه أصر أن يبقى مع الجيش، واتخذ مكانا على تل مرتفع يطل على ساحة

المعركة، ونصب آلة التصوير ليلتقط صورا للمعركة إلا أن قوات ابن رشيد هاجمت موقعه

وقتل بنيران بنادقها)--- (المترجم).

وقفة الشيوخ الأقوياء

ولقد لقيت علاقة ابن سعود ببريطانيا تأييداً شعبياً خلال اجتماع للشيوخ العرب تم عقده

في الكويت في 20 نوفمبر، حيث استضافه شيخ الكويت، وفي تلك المناسبة البارزة

اجتمع ثلاثة من الشيوخ العرب الأقوياء هم: شيخ المحمرة، وهو على الرغم من أنه من

رعايا بلاد فارس فإنه ذو جذور عربية، وشيخ الكويت، وابن سعود حاكم نجد.

وقف هؤلاء الشيوخ إلى جوار بعضهم في محبة ووفاق، وأعلنوا التزامهم بالقضية

البريطانية، وفي حديث تلقائي غير متوقع أشار ابن سعود إلى أن الحكومة العثمانية قد

سعت إلى تفكيك وإضعاف الأمة العربية، بينما السياسة البريطانية قد استهدفت توحيد

وتقوية قادة الأمة.


وكلما استمع المندوب السياسي السامي إلى هذا الكلام الذي سوف يتردد وتتم

مناقشته بين الرجال الذين يتحلقون حول كل نار تشعل في المخيمات، فبالتأكيد سيقطف

ثمار سنوات خلت من العمل الصبور في الخليج.

سحر شخصية ابن سعود

لقد اقترب ابن سعود الآن (عام 1916) من سن الأربعين إلا أنه يبدو أكبر من ذلك ببضع

سنوات. وهو ذو بنية جسمانية رائعة: طوله يزيد على ستة أقدام (يقترب من المترين)،

وله حضور شخصي، وقد تعود على القيادة. وعلى الرغم من أن بنيته ضخمة أكبر من

أجسام شيوخ البدو التقليديين المعتادة؛ فإن لديه خصائص العرب الأصيلة: فهو ذو أنف

معقوف، ووجه واضح الملامح ممتلئ، وشفاة بارزة، وذقن طويلة ورقيقة تحددها لحية

مدببة، ويداه رقيقتان أصابعهما ممشوقة، وتلك هي ملامح القبائل العربية القحة.

وعلى الرغم من طوله الفارع وعرض منكبيه فإنه يمثل السمة الغالبة في الصحراء ذات

الاتساع اللامتناه، ويحمل انطباعاً متعارفا عليه في الصحراء هو حياة المشقة التي

يكتنفها شيء من الغموض ليس على مستوى الفرد، ولكنه متعلق بالجنس البدوي

بأكمله، وإذا كان القلق الدنيوي يتحكم في حياة ناس الصحراء البسطاء، فإن ابن سعود

حقق سيطرته وبسط نفوذه إلى ما وراء حدوده الموحشة. وعلى الرغم من أن حركاته

المتأنية وابتسامته البطيئة العذبة، واللمحة التأملية لعينيه ذات الرموش الثقيلة تضيف

إلى مهابته وسحر شخصيته؛ فإنها لا تتفق مع المفهوم الغربي للشخصية القوية.

رجل دولة استثنائي

ومع ذلك فإن ما ذُكر بشأنه يضفي عليه خصال التحمل البدني النادر في شبه الجزيرة

العربية الممتلئة بالصعاب، ويقال إن منافسيه قلائل بين الرجال الذين تربوا على امتطاء

ظهور الإبل والذين لا يكلون من امتطائها، وكقائد لقوات غير نظامية أثبت أنه شجاع، وأنه

يجمع بين خصائصه كجندي وقبضته على مقاليد الحكم التي يجلها رجال القبائل كثيراً،

وربما أقصى إطراء له قولهم بأنه «رجل دولة».

إن ابن سعود كسياسي وحاكم ومغير يمثل شخصيةً تاريخية استثنائية. فهو وأمثاله من

هؤلاء الرجال يشكلون استثناء في أي مجتمع، ويدفع بهم جنسهم العربي بإصرار في

محيطه. وفي ذلك المحيط يحققون احتياجاته، فلقد قدم العرب القادة الفاتحين والإداريين

العسكريين للغزوات المحمدية (الإسلامية) والذين نجحوا في مهامهم مثل ابن سعود،

ولو أنه عاش في عصر أكثر بدائية فربما كان النجاح أو الفشل حليفه، «وربما قد يفشل ف

في نطاق ضيق». إن مهمته في تحويل مجتمع قبلي أساسا إلى دولة موحدة

ومتجانسة ذات طبيعة قوية ليست باليسيرة، ولقد كان محمد الرشيد المثال الكلاسيكي

في الجيل السابق لجيلنا، وقد توفي قبل عشرين عاماً ولكن شهرته لاتزال باقية، ومثله

قام عبدالعزيز بجمع خيوط الشبكة المتفككة للتنظيم القبلي فى إدارة مركزية وفرض

سلطته على تحالفات القبائل الجوالة، وعلى الرغم من تقلبها، فإنها من العوامل

السياسية التي وطدت حكمه.

مؤتمر الاعتراف على أرض الكويت

وبسط ابن سعود نفوذه على الرياض ببساتين نخيلها وواحاتها، واتسعت سلطته لتشمل

إقليم القصيم شمالا وإقليم الاحساء شرقا. وتمكن من الحصول على موارد اقتصادية

أوسع وثروة أكبر وسكان مستقرين أكثر مما لدى ابن رشيد؛ ولذلك فإن سلطة ابن سعود

ترتكز على أساس أكثر متانة، إلا أن مصدر القوة الحقيقي هنا كما عبر التاريخ العربي

بأكمله يكمن في شخصية القائد، فمن خلال شخصيته سواء كان خليفة عباسيا أو أميرا

نجديا يتماسك الكيان السياسي بوجوده وينفرط عقده في حال غيابه.

إذا كانت السمة البارزة لمؤتمر الكويت هي اعتراف الرؤساء العرب المجتمعين بحسن

نوايا بريطانيا العظمى تجاه العرب، فإن وجود النوعية غير المتغيرة للسيادة الصحراوية

بين ظروف حديثة جداً لدرجة أنها لم تصبح مألوفة لمن أوجدها، وذلك ما أعطى زيارة ابن

سعود إلى البصرة طابعها المتميز.

أشعة «رونتجن» والصديق الطيب

وفي غضون بضع ساعات استعرض (ابن سعود) أحدث آلات للهجوم أمامه، وراقب

إطلاق متفجرات شديدة القوة على خندق مرتجل، وانفجار القذائف المضادة للطائرات

في السماء الصافية التي فوقه.

وسافر بالسكة الحديد التي لم يكن عمرها يزيد على ستة أشهر، ثم انطلق عبر الصحراء

في سيارة إلى ميدان المعركة في الشعيبة إذ شاهد قوات المشاة البريطانية وقوات

الفرسان الهندية، وبطارية مدفعية أثناء عملها.

وفي أحد مستشفيات القاعدة المتمركزة في قصر صديقنا الطيب (الشيخ خزعل) شيخ

المحمرة، رأى عظام أصابع يده تحت أشعة «رونتجن»، ومشى على امتداد أرصفة

الميناء الكبيرة الكائنة في شط العرب وعبر المخازن المكدسة التي يتم من خلالها كسوة

الجيش وتزويده بالتموين، وشاهد طائرة تنطلق إلى السماء الصافية.

شيخ المحمرة

ولقد نظر (ابن سعود) إلى هذه الأشياء كلها وهو مندهش، ولكن الاهتمام الذي أظهره

بشأن العتاد الحربي كان اهتمام رجل يسعى إلى التعلم، وليس اهتمام شخص وقف

مرتبكاً، وتحدث بشكل تلقائي للضباط الذين استضافوه مبرراً شهرته التي اكتسبها في

شبه الجزيرة العربية بأنها ترجع إلى الحس السليم والقدرة المتميزة على الاحتمال

والصبر.

وبينما كان الشيخان يغادران المكان قال شيخ المحمرة: «لقد كان أمرا طيباً لنا أن نرى

مدى قوتكم»، ومن استمعوا إليهما ربما وجدوا أفكارهما توحي بقوة أعظم وأكثر

استقرارا من قوة آلة الحرب وتطلعا إلى اليوم الذي نقوم فيه ببسط علوم السلام بدلاً من

علوم الدمار.



(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90997_1229894014672255600_smaller

الشيخ مبارك الكبير حاكم الكويت وإلى يمينه الأمير الشاب آنذاك عبدالعزيز آل سعود أثناء

وجوده في الكويت في مطلع القرن الماضي


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90997_1229893765122254200_smaller


السلطان عبدالعزيز آل سعود وعلى صدره ارفع وسام بريطاني


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90997_1229893124142252000_smaller


السلطان عبدالعزيز آل سعود يشاهد قطار السكك الحديدية الجديد في البصرة وحوله

مرافقون بريطانيون


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 90997_1229892993462251400_smaller


السلطان عبدالعزيز آل سعود والشيخ خزعل يستعرضان إحدى فرق المشاة البريطانية في البصرة عام 1916






يتبع



_________________ تــوقــيـع


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Counter


عدل سابقا من قبل عاصي الشعراء العلياني في الجمعة نوفمبر 03, 2017 4:41 am عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3leian.ahlamontada.com
عاصي الشعراء العلياني
مدير العام
مدير العام
عاصي الشعراء العلياني


الدولة : السعودية
تاريخ التسجيل : 23/07/2010
عدد المساهمات : 3863

(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916   (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Emptyالأربعاء يناير 18, 2012 5:31 pm


بفضل من الله وتوفيقه
• بقوة مؤلفة من ثمانين رجلاً يمتطون جِمالا زودهم بها شيخ الكويت... انقض عبدالعزيز

على حامية ابن رشيد وقتل ممثله.

• الرحالة البريطاني خليل داوتي كان متعاليا ومتعصبا وحل ضيفا ثقيلا على ابن رشيد

الذي أُرغم على حمايته.

• الكويت تحتضن اجتماع ثلاثة من شيوخ العرب الأقوياء هم: شيخ المحمرة خزعل وشيخ

الكويت وابن سعود حاكم نجد.

• ابن سعود في اجتماع الكويت: العثمانيون يعملون على تفكيك العرب وإضعافهم...

وبريطانيا تستهدف توحيدهم وتقويتهم.

• مغامرة عبدالعزيز الجريئة وتسلقه وثمانية من رفاقه المنتقين أسوار قصر ابن رشيد

في الرياض وسيطرته عليها... مازالت محفورة في ذاكرة البدو

• الشيخ خزعل شيخ المحمرة يقول للبريطانيين: «لقد كان أمرا طيباً لنا أن نرى مدى

قوتكم».

• الكابتن شكسبير أصر على ملازمة ابن سعود في معركته الكبرى مع ابن رشيد ونصب

آلة التصوير ليلتقط صورا للمعركة... إلا أنه هوجم في موقعه وقتل.

• زيارة ابن سعود للبصرة تعد حلقة مهمة في تاريخ الجزيرة العربية شاهد فيها القوات

البريطانية وأبدى اندهاشه بالأسلحة والمعدات... لكنه اندهاش مَن يرغب في التعلم.

• أفكار الشيخين ابن سعود وخزعل كانت توحي بقوة أعظم وأكثر استقرارا من قوة آلة

الحرب... وبتطلعٍ إلى يوم يبسط فيه البريطانيون علوم السلام بدلاً من علوم الدمار.





سوء الطالع الأوروبي

إن الطبيعة الإنسانية واحدة، وهي الطبيعة نفسها لدى العرب كما هي لدى الأوروبيين:

تتسم بالمشاكسة والطمع والطموح، وفي بعض الأحيان تتصف بالإخلاص، ولكنها بشكل

رئيسي تميل إلى الغدر. وفي أحيان أخرى تتسم بالاستنارة، ولكنها دائماً قلقة مولعة

بالقتال. والمعارك القبلية في صحراء الشامية (الواقعة جنوب العراق حتى شمال نجد)

قد يتوقع منها أن تظهر نفس الكر والفر والتغير والتبدل للتحالفات، كما ساد تاريخ العلاقات

بين الدول المختلفة التي تشكل أوروبا.

(ويعرِّف المؤرخون القدامى صحراء الشامية باسم «صحراء السماوة»، ويطلق عليها

علّامة الجزيرة العربية حمد الجاسر اسم «صحراء الحجرة»، ويقول عنها: إنها أرض ذات

آكام وأودية ومناهل متعددة، تقع شمال وادي الباطن والدهناء ممتدة من الجنوب من

الهذاليل إلى وادي الخر شمالاً، وفيها منهل الشعبة، ومنهل الدويد، كما يخترقها طريق

زبيدة طريق الحج المشهور). (المترجم).

والسمة المختلفة للصورة في مجال المقارنة هي قلة إراقة الدماء (حسبما

تشير «نشرة العرب» السرية على لسان غيرترود بيل، وتقارير أخرى).

جرت العادة أن تقوم المعركة العربية على مباغته العدو على حين غِرة من خلال شن

غارة، وحصيلة الإصابات في بعض الأحيان، قد تزيد أو تقل عن عدد الإصابات في مباراة

لكرة القدم، وكقاعدة لا يتم أخذ أسرى. وليس المقصود من عبارة «عدم أخذ أسرى» -

التي تبدو سيئة الطالع بالنسبة لنا نحن الأوروبيين الأكثر بربرية- بأن الأسرى يقتلون،

فالرجل الذي يستسلم يتخلى عن بندقيته وحصانه وحتى ملابسه في ما عدا الحد

الأدنى الذي يستر عورته، وبعد ذلك يترك ليمضي إلى حال سبيله، وفي بعض الأحيان

يستمر القتال من دون هوادة وبلا رحمة وحسب الأعداد المشاركة فيه تكون إراقة الدماء.

«ووترلو» البدو

إن تاريخ هذه المعارك له أهميته الجوهرية وذلك بغض النظر عن أي درس قد يحمله

بشأن احتمال ترابط القبائل معاً تحت تأثير قوة خارجية. وبالنسبة الى المهتمين بذلك فإن

القصة لها معالم عظيمة بالنسبة للبدو كما هي أهمية معركتي هاستنجز Hastings

ووترلو Waterloo بالنسبة إلينا. فمعركتا «هاستنجز» أو «ووترلو» بالنسبة الى ابن رشيد

وابن سويط لا تعدان شيئا بالمقارنة إلى معركة «البردية» أو معركة «نبعة».

سنبدأ من الوقت الذي دحر فيه سعدون باشا زعيم قبيلة المنتفق من شمال الفرات إلى

صحراء الشامية التي أصبحت منطقة نفوذه الخاصة «ديرته». إن عائلة السعدون التي

تقود قبيلة المنتفق الكبيرة لا تعود أصولها إلى العراق بل من أشراف مكة، وقد أقام

سعدون باشا لنفسه سلسلة من الحصون والآبار تمتد من الغباشية عبر كابده وشقراء

حتى أبو غار ونبعة، وهي حلقة تتحدى أي محاولة للأتراك الأغراب أن يعرضوا روحه لذل

الخضوع، وسعدون الكبير تقدم بجيشه وأسلحته ذات مرة حتى أسوار البصرة نفسها.

وعندما قامت القوات التركية المنظمة في النهاية بدحر قواته إلى داخل الصحراء قام

سعدون باشا برفع رايته هناك ونصب نفسه بالفعل كملك للشامية. لكن كان يوجد هناك

أيضا عدو آخر غير الأتراك، فهذه الحصون الصحراوية كانت تشكل خطاً للدفاع ضد الغارات

الحتمية التي قام بها العرب الأعداء، وقاعدة للغارات التي كان يشنها مستأجروها

بأنفسهم.

راية الصحراء

البدوي ليس لديه أي عمل أو لهو، وعمله الوحيد ولهوه الوحيد هو شن الغزوات أو

الغارات. وعلى الرغم من أن الغزوة قد تبدو لنا باعتبارها مجرد سطو، فإنها بالنسبة الى

البدو تمثل غليان الأرواح الشرعي، والغزوات لها قواعد أشد إلزاما لديهم من قواعد

القانون الدولي بالنسبة إلينا.

وعود للحديث عن سعدون، فإن الشخص الوحيد الذي يمكن اعتباره ملكاً للصحراء اكثر

من الآخرين هو ابن رشيد الأمير الشمري، وكان عدوه التقليدي ابن سعود أمير نجد -

وفي ذلك الوقت كان ابن سعود في أدني مستوى من القوة-. ولم يكن هناك من ينافس

ابن رشيد، ولذلك عندما بسط سعدون باشا رايته على الشامية قال ابن رشيد «هذا لا

يمكن أن يكون... لا يمكن أن توجد رايتان مرفوعتان في الصحراء»، ويصعب القول ما إذا

كانت تصرفاته أو تصرفات سعدون كانت تتم بتشجيع سري من جانب الأتراك.

طرد الظفير

وعلى أي حال فمنذ ستة عشر عاما مضت (أي في عام 1901) وصلت الشائعات إلى

حدود الخميسية بأن ابن رشيد كان يجهز لشن غارة على سعدون، ولذلك جمع سعدون

قواته وجهز نفسه استعداداً لرد الهجوم، وبالإضافة إلى قبائل المنتفق انضمت إليه قبيلة

الظفير.

والظفير قبيلة بدوية انحدرت بشكل جزئي من الحجر في شمال الحجاز وقد طردت من

هناك منذ مدة طويلة واستقرت في منطقة بين الكويت وإمارة شمر والفرات، وقد كانت

هذه القبيلة في عهدها قوية ذات سطوة في الشامية. وفي عهد الشيخ سلطان بن

سويط جد الشيخ الحالي (حمود) وفي عهد أخيه جعيلان، اتحدت أفخاذها المتفرقة

بسهولة بتأثير شخصي من الشيخ، ومن دون ذلك النفوذ الشخصي فان إغراءات التفكك

كانت واضحة من وضع القبيلة إذ إنها كانت تتمركز عادة بين شمر والمنتفق، ولذلك كانت

تحتاج إلى أن يكون نفوذها لدى كلا الجانبين.

«البردية» والغبار الغامض

في تلك المناسبة وقف عدد من الظفير مع سعدون، وكثير منهم لم يرغب بالتدخل في

الأمر على الإطلاق، ووقفت قبائل المنتفق وقبيلة الظفير معا على أهبة الاستعداد لكل

الطوارئ، ولكن لم تشن أي غارة. واعتقد رجال القبائل أنهم قد تجمعوا بناءً على إنذار

كاذب، وتفرقت القبائل إلى حد كبير، وظل سعدون بنفسه معسكراً شرق الخميسية

بالقرب من البردية، وكانت هذه هي فرصة ابن رشيد السانحة. وذات يوم لاحظ أتباع

سعدون عمود غبار غامض في الأفق الجنوبي، فأرسلوا الكشافة الاستطلاعية الخاصة

بهم فعادوا يؤكدون بأن القادمين هم شمر. حينذاك سبق السيف العذل، ولم يتمكن أتباع

سعدون من الفرار، أما هو نفسه فقد هرب تجاه الصخرية.

وهزمت شمر الباقين بسهولة واستولت على غنائم كبيرة من الخيل والإبل، وعرفت هذه

المعركة المشهورة بـ«البردية»، وعسكر ابن رشيد لفترة عند تل الجبارة وبعد ذلك عاد

إلى موطنه.

غضبة الشيخ مبارك

رغب سعدون باشا في الانتقام لهزيمته فاستغل وجود خلاف بين مبارك الصباح شيخ

الكويت وابن رشيد لكي يتحالف مع الاول. وكان أحد تجار الكويت المشهورين، وهو يوسف

الإبراهيم قد انشق عن مبارك بعد قتله أخويه (محمد وجراح) فذهب الإبراهيم إلى ابن

رشيد، فغضب الشيخ مبارك لهذا الانشقاق فاستغل جزءا من ثروته لتسليح ابن سعود،

نكاية بابن رشيد، وقبل بكل ترحاب دعوة سعدون لكي يشارك بقواته في قتال العدو

المشترك، إلا أن جعيلان بن سويط شيخ الظفير رفض المشاركة في التحالف.

ودارت معركة في نجد اشتركت فيها قوات الثلاثة وهم: سعدون وابن صباح وابن سعود،

ولكن ابن رشيد كان أقوى منهم وهزم التحالف بسهولة في معركة عرفت

باسم «الطرفية» (الصريف)... نسبة إلى اسم المكان الذي حدثت فيه، وحدث ذلك بعد

عام واحد من معركة البردية.

بنو حچيم

وبعد ذلك خيّمت فترة هدوء في الأحداث المهمة؛ وعلى الرغم من استمرار الغارات، فإن

المنطقة لم تشهد دورانا لرحى حرب ذات أهمية. ونشب لاحقا خلاف بين ابن صباح

وسعدون. فقد قام فخذ السعيد من الظفير وهم أصدقاء لسعدون بالاستيلاء على عدد من

ابل ابن صباح، وطلب ابن صباح من سعدون أن يتدبر أمر إعادة الإبل، وقد رفض الأخير

ذلك، وأدى رفضه إلى أن يطلب ابن صباح مساعدة ابن سعود، ولم يكن ابن سعود قوياً،

لأن قبيلتين من قبائله قد تخلتا عنه، وهما مطير والعجمان، ولذلك أرسل قوة هزيلة

لمساعدة ابن صباح، وعلى هذا الحال وصلت قواتهم بالقرب من الرخيمية، حيث فوجئوا

بجماعة مشتركة من قبائل: الظفير، والزياد، والمنتفق (بما فيها البدور) تحت زعامة

سعدون.

بالنسبة الى قبيلة الزياد فهي ليست إحدى قبائل المنتفق، وتنتمي إلى تحالف يعرف

باسم بني حكيم (حچيم)، وتقطن مناطق جنوب وحول السماوة، ولكن صداقة الزياد مع

الظفير تعود إلى سنوات كثيرة مضت، وكان للزياد على الدوام دور فعال في معارك

الشامية.

غارة الصباح والمطران

ولم تنشب معركة حقيقية في تلك المناسبة، ولقد تم أسر قوات ابن صباح وابن سعود

من دون مقاومة تذكر؛ ولهذا فانه يطلق على هذا الحدث اسم «هدية»، وهذه الأحداث

ممكنة وهي مفهومة لمن يعرف المسافة والسرعة التي يمكن للعرب أن يجتازوها عند

نيتهم القيام بغارة، وقد حدثت وقعة هدية في الربيع قبل تسع سنوات... (أي في عام

1908).

وفي الصيف التالي ذهب سعدون إلى زيارة والي بغداد كاظم باشا، وقد سمعت قبيلة

مطير -وهي قبيلة نجدية من أتباع ابن سعود- عن ذلك ورأت أنها فرصة طيبة لشن غارة،

فجاء رجالها إلى ابن صباح وقالوا له «لقد ذهب سعدون إلى بغداد وتوجد فرصة عظيمة

للإغارة على الظفير والمنتفق، دعنا نشن غارة عليهم»، وحيث إنه لم يكن ليرفض

الانتقام من قبيلة الظفير بسبب هزيمتها الأخيرة له؛ قام ابن صباح وقبيلة مطير بشن

غارة كبيرة على الظفير في شقراء ونجحوا في الاستيلاء على غنائم كثيرة، ووصلت

أخبار الغارة إلى سعدون أثناء وجوده في بغداد وتم إبلاغها إلى الوالي.

تحالف الظفير وابن صباح

عرض الوالي على سعدون أن ينصبه أميرا على قبائل العراق والكويت إذا تمكن من

الإطاحة بابن صباح، وطموح سعدون الدائم دفعه إلى الموافقة على المشروع، وشرع

في تجميع قواته، وانضمت قبيلة الظفير وآخرون إليه. ووصلت قواته حتى الشقق، بين

سفوان والجهراء، من ناحية الغرب. وعندما سمع ابن صباح باقترابهم، وقد كان على

الدوام على اتصال بقبيلة الظفير لدرجة أنه كان يسمح لهم بأخذ «خاوة» (ضريبة) على

البضائع الذاهبة من الكويت أو يدفع لهم مبلغاً معيناً في حالة تخليهم عن أخذ الخاوة.

وأجرى ابن صباح اتصالات سرية بقادة هذه القبيلة، وكان الظفير قد قتلوا فرس يوسف

المنصور أحد وجهاء السعدون مما جعل هناك مسوغاً للشقاق الذي نتج عنه أن تخلت

قبيلة الظفير عن سعدون وأحبطت مشروعه. وتخلي سعدون عن مسعاه، ولكن على

الرغم من أنه ظل ظاهرياً على ود مع قبيلة الظفير فلقد قرر الانتقام منها بسبب غدرها

به وعدم مساندته بإطاحة ابن صباح.

رهائن ابن رشيد

كتب السعدون سراً إلى ابن رشيد يدعوه إلى التعاون لعقاب قبيلة الظفير، فإذا وافق

على ذلك يجب أن يظهر مع أتباعه في الدهناء- وهي صحراء رملية في وسط أراضي

شمر. وفي هذه الأثناء سيرحل سعدون بنفسه وأتباعه بالإضافة إلى قبيلة الظفير إلى

الدهناء، ووافق ابن رشيد على هذه الخطة والتقت الأطراف في الدهناء. واستدعى ابن

رشيد قادة قبيلة الظفير إليه وطلب منهم تفسيراً للتصرف الذي قاموا به. ويبدو أن ابن

رشيد لم يقبل أعذارهم فأمر بمصادرة 500 بعير كغرامة. وبذلك تم الإيقاع بالظفير

واضطروا إلى الإذعان لذلك. ولكن سعدون كان يعرف جيداً انه لن يترك ابن رشيد يغادر

المكان دون أن يأخذ ضمانات إضافية ضد ردود الأفعال المستقبلية لتلك القبيلة، ولذلك تم

الترتيب لأخذ خمسة من رؤساء الظفير كرهائن لدى ابن رشيد، وعلى هذا تفرقت

الأطراف.

تحدث مشايخ شمر إلى الأمير ابن رشيد، سواء بإرادتهم الحرة أو بناءً على إقناع سري

من أسرى الظفير، عن قسوة حكمه على الظفير. وقالوا: ألم يدفع الظفير الغرامة التي

فرضت عليهم وهي 500 بعير؟ فهل من العدل بعد ذلك أن تأخذ خمسة من مشايخهم

كأسرى؟ واقتنع الأمير بحججهم وفك أسر الرهائن بعد يومين من أخذهم.

ومثلما هو متوقع أسرع الشيوخ المحررون إلى قبيلتهم عازمين على الانتقام وجمعوا

الخيل والجيش لملاحقة سعدون وباغتوه عند جريبيعات جنوب شقراء وهزموه واستردوا

ما أُخذ منهم.

(يتبع)





(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 91066_1230043036536393900_smaller


صورة نادرة للشيخ مبارك وسعدون باشا شيخ المنتفق




(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 91066_1230043144466399000_smaller

شيوخ المنتفق من اليمين جالساً الشيخ مطشر عجمي السعدون وإلى يمينه الشيخ سعود السعدون


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 91066_1230042853756385200_smaller

القصر الأحمر في صحراء الجهراء


_________________ تــوقــيـع


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Counter


عدل سابقا من قبل عاصي الشعراء العلياني في الأحد أغسطس 28, 2016 4:56 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3leian.ahlamontada.com
عاصي الشعراء العلياني
مدير العام
مدير العام
عاصي الشعراء العلياني


الدولة : السعودية
تاريخ التسجيل : 23/07/2010
عدد المساهمات : 3863

(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916   (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Emptyالأربعاء يناير 18, 2012 5:34 pm



• أقام سعدون باشا سلسلة من الحصون والآبار تتحدى أي محاولة للأتراك الأغراب أن يعرضوا روحه لذل الخضوع.

• معارك القبائل كانت أقل دموية واتسمت بالنبل فليس هناك احتفاظ بالأسرى أو قتلهم وهم ليسوا مثل الأوروبيين الأكثر بربرية.

• أسير الحروب البدوية يتخلى عن بندقيته وحصانه وحتى ملابسه فيما عدا الحد الأدنى الذي يستر عورته... وبعد ذلك يُترك ليمضي إلى حال سبيله.

• عندما بسط سعدون باشا رايته على الشامية قال ابن رشيد: «هذا لا يمكن أن يكون... لا يمكن أن توجد رايتان مرفوعتان في الصحراء».

• رغب سعدون باشا في الانتقام لهزيمته في معركة «البردية» فاستغل وجود خلاف بين مبارك الصباح شيخ الكويت وابن رشيد لكي يتحالف مع الاول.

• مشايخ قبيلة شمر يتدخلون عند ابن رشيد لإطلاق سراح شيوخ ظفير المأسورين والاكتفاء بتغريمهم 500 بعير.

• تعرضت قوات ابن صباح وابن سعود للأسر من دون مقاومة تذكر في معركتهما ضد سعدون باشا... ولهذا أطلق على هذا الحدث اسم «هدية».

• البدوي ليس لديه أي عمل أو لهو، وعمله ولهوه الوحيدان هما شن الغزوات أو الغارات.

إنني إذ أقدم على تعريب هذه التقارير إلى اللغة العربية، فإن ذلك لا يعني أنني متفق مع ما جاءت به الكاتبة من آراء واستنتاجات، ولكنني أقدمت على تعريب هذه التقارير لأن الكاتبة قدمت معلومات توثيقية عن أحداث مهمة مر عليها ما يقرب من تسعة عقود وقد اطلعت فئة قليلة على هذه المعلومات... لذا وددت تعميم الفائدة لكسر حاجز اللغة آملا بهذا العمل أن أكون قد أضفت جديداً إلى المكتبة العربية.



الروح العاصفة

عاد سعدون باشا (من الدهناء إثر انتهاء خطته مع ابن رشيد لعقاب قبيلة الظفير) إلى
الخميسية، بينما استقرت قبيلة الظفير في البقاع المجاورة للزبير عند سفوان وكويبدة، وقد كان فخذ من قبيلة الظفير، وهم «السعيد»، مع قبيلة شمر في ذلك الوقت، ولكنهم جاءوا الآن لكي يلحقوا بسعدون عند الخميسية، وتحرك سعدون وأتباعه، بالإضافة إلى «السعيد» إلى منطقة علوي، وقد كانوا على مسافة قريبة من قبيلة الظفير الذين قاموا مباشرة بجمع قواتهم وطردوا سعدون ثم عادوا إلى مضاربهم.

انتهز الأتراك هذه الفرصة لكي يرسلوا عملاءهم إلى البصرة للاتصال بسعدون بشأن مسألة جعله أميرا على ديرة المنتفق على شط الحي. وقد كان مبارك الصباح في ذلك الحين في المحمرة فاتصل بالسيد طالب (النقيب)، وقيل إنه عرض على السيد طالب 3000 ليرة لإقناع الحكومة بالقبض على سعدون ووضعه في السجن، ووافق السيد طالب وبيّن للعملاء الأتراك مدى بشاعة السياسة التي قد تجعل من الروح العاصفة مثل سعدون زعيماً لجماعة من القبائل تنفر من رعونته، وقال: «دعوني احضر سعدون إلى البصرة والبقية سهلة».

حادث بيت النقيب

ما حدث بعد ذلك مشهور في التاريخ العربي، فقد انصاع العملاء الأتراك للاقتراح الشائن من السيد طالب، وتمت دعوة سعدون إلى منزل السيد طالب، وهو معروف باسم «بيت النقيب»، وقَبِل الدعوة من دون شك وحضر في موعده.

وبناء على ترتيبات من السيد طالب كان من المفترض ترك سعدون ينام آمنا خلال الليل وأن يتم دعوته في الصباح لتناول الطعام، بينما السيد طالب يبدي اعتذاره بأن لديه أمرا يشغله مع الحريم، وعندما تناول سعدون وجبته أرسل العملاء الأتراك رجالاً متخفين في زي مبعوثين من الوالي لدعوته إلى الحضور أمام الوالي في السراي. وتم تنفيذ الخطة بنجاح، وغادر سعدون بيت النقيب مع المبعوثين المزعومين التابعين للوالي، ولكنهم عندما وصلوا إلى السراي تم إبلاغهم أن الوالي قد ذهب إلى العشار. وسعدون الذي لم يساوره الشك في الأمر جرى اقتياده في «بَلَم» (قارب تقليدي في المنطقة) إلى العشار، ومن هناك اقتيد مباشرة إلى مركب حربي تركي حيث أُبلغ بأنه سجين. وغادر المركب الشاطئ في هدوء الليل وعند وصوله إلى بغداد، حيث اقتيد سعدون إلى حلب وبقي هناك مسجوناً حتى مات لاحقا. ومن وقت قيام السيد طالب بالعملية الخادعة، فان زعيم المنتفق الكبير اختفى من التاريخ واحتل مكانه ابنه الثاني عجمي.

طلب الحماية

حاصر رجال قبيلة البدور عجمي (ابن سعدون باشا) في ذلك الوقت في حصن في الشمال الغربي من الناصرية عند المايعة، وتمكن العملاء الأتراك من فك حصاره وتركوه يذهب، فهرب إلى قبيلة آل غزي، ولكن شيخ قبيلة آل غزي، وهو ابن حبيِّب، لم يكن مستعداً أن يحمل على عاتقه مسؤولية حماية هذه الروح القلقة وأجبر عجمي على السعي إلى الحصول على الحماية من مكان آخر.

وعلى الرغم من أنه أعزل فإنه كان غير يائس، إذ امتطى ذلوله وحيدا ميمما حائل... وهناك أناخ ذلوله أمام أميرها ابن رشيد وقال: «أيها الأمير اطلب حمايتك وعونك على أن تنتقم لي من أعدائي، فلي حق عليك فبينما كان والدي سعدون تحت حمايتك اعتُدي عليه وقُهر من قبل الظفير».

المراعي الصيفية

بقي زعيم المنتفق الجديد عجمي بن سعدون في حائل لبعض الوقت حتى وافق أخيرا ابن رشيد على مساعدته على مهاجمة قبيلة الظفير، وذهب عجمي يطلب العون من قبيلة الجوارين، وفي أول فرصة التقى فيها ابن رشيد بالعدو ولى الأدبار واستدعى لمعاونته ضاري بن طواله شيخ الأسلم من شمر، وبعد ذلك عاد للقتال وهاجم وهزم الجمع المحتشد من قبيلة الظفير والبدور بين شقراء وأبو غار، ووصل عجمي متأخراً بيوم بعد ذلك، وعاد ابن رشيد إلى حائل وترك المطران الذين كان قد استدعاهم أيضاً لمساعدته وذلك كحماية لعجمي.

كان ذلك في ربيع عام 1913، وفي الشتاء التالي عادت قبائل الظفير والبدور من مراعيها الصيفية في شمال وغرب الناصرية. وكان عجمي مازال قادراً على استدعاء قبيلة مطير، ولكنه كان يخشى بأنه لم يكن قوياً بدرجة كافية لصد الهجمات، توسل إلى بني مالك، إحدى عشائر المنتفق، واستمالهم إلى جانبه، والتقت القوات المتحاربة في مكان ما بين شقراء والرخيمية، ولكن قبل التقائهم دخلت قبيلة البدور في مفاوضات سرية مع بني مالك لأن قبيلة البدور هي أيضا إحدى قبائل المنتفق.

بيت مال مزيد

فرَّ بنو مالك من المعركة أو أظهروا مقاومة ضعيفة، مما أدى إلى حصار عجمي وقبيلة مطير وتم الاستيلاء على متاعهم ورحلهم، وفر عجمي مع فلول قواته إلى سفوان، حيث بقي هناك حتى نهاية فصل الصيف، وبعد ذلك انتقل إلى الغباشية حيث دبَّر بطريقة بشعة سرقة مال من أحد أقاربه- ابن عم والده-واسمه مزيد (الفالح) وكان قد أودع في مبنى معروف باسم «بيت مال مزيد» مبلغ 60000 ليرة، واستولى عجمي على المبلغ الكبير بالكامل وانتقل إلى شط الحي. وجاء شتاء آخر وبدأت قبيلة الظفير كالمعتاد في التحرك جنوباً تجاه أماكن استقرارهم المعروفة في: الدريسية، ودافنه، وأبو غار، والصليبية. وكان مزيد الذي يتطلع حوله باحثاً عن فرص للانتقام قد ذهب إلى قبيلة الظفير وتوسل إليهم لكي يعاونوه.

رقصة الموت

في غضون ذلك عبر عجمي نهر الفرات، وهو يضمر الانتقام بسبب هزيمته الأخيرة. وكان على الدوام جوَّاداً بالمال مهما كان مصدره فلقد كان قادراً -بالمبلغ الذي سرقه من مزيد- أن يجمع عصابة تقدر بأربعمئة فرد من المرتزقة من جهات مختلفة، وتألفت قواته من أفراد من: مطير وشمر وبني مالك ومرتزقة آخرين، وبهؤلاء قام بغزو مناطق الظفير واعترض طريق فريق من قبيلة الظفير وقبيلة البدور عند نبعة، وجرت بعد ذلك أشد المعارك ضراوة في تاريخ الحروب القبلية في صحراء الشامية، وقد أوقعت قبيلة الظفير وقبيلة البدور هزيمة قاسية بعجمي وأتباعه، ويقال إنهم قد قتلوا نحو ثلاثمئة فرد منهم، بينما كانت خسائر الظفير والبدور لا تزيد على الأربعين قتيلاً. في اليوم التالي امتطى مزيد صهوة حصانه مبتهجاً بنتيجة المعركة وأخذ يقفز بحصانه أمام العرب المنتصرين، وهذا التصرف لم يلق القبول من الأعداء ولسوء الطالع أن هذا الرجل المسن، كان في الثمانين من عمره، سقط عن ظهر حصانه ودقت عنقه.

فرصة انتقام رائعة

أوشكت موارد عجمي ابن سعدون باشا على الانتهاء، لذا اضطر إلى التصالح مع أعدائه، فدعا حمود بن سويط شيخ قبيلة الظفير لكي يشاركه الإقامة بالقرب من كابدة، ووافق حمود واستقر بجواره في حوالي خمسين بيت شعر. واستهجنت بقية قبيلة الظفير هذا التصرف منه. ومن الصعوبة بمكان التكهن في ما إذا كان عجمي قد دبّر أصلا الخيانة أو كان مدفوعاً إلى ما عمله بسبب عدم الود من بقية قبيلة الظفير. وعلى أية حال فلقد أرسل سراً إلى قبيلة مطير يعرض عليهم هذه الفرصة الرائعة للانتقام، ووصلت قبيلة مطير، وهي مستعدة تماماً لشن الغارة، واحتج حمود بن سويط على عجمي بسبب خيانته الشائنة. وقام عجمي وهو نادم بمحاولة تفريق مطير، ولكنهم كانوا عنيدين فلقد جاءوا لشن غارة أو القتال بناءً على دعوة صريحة منه، وكانوا مصممين على المضي في ذلك الأمر، واضطر عجمي للخضوع لما دبره وارتد إلى نيته الأصلية لدعوة قبيلة مطير، وأصبح مثلا سائرا بين العرب مرتبطا بعجمي «قَلَب (انقلب) علي ابن سويط»، وأصبح حمود والخمسون بيت شعر معه فريسة سهلة لقبيلة مطير، ولقد عرف ذلك الأمر منذ ذلك الوقت باسم «القَلْبَة».

قتال البدو

وحلّ بعجمي انتقام سريع، فلقد وصلت أخبار الحدث بسرعة إلى قبيلة البدور، وهم أصدقاء قدامى لقبيلة الظفير وملجأهم وقت الشدة، وبعد شهرين من «القَلْبَة» نال الظفير والبدور من عجمي وهزموه في شقراء.

ومهما اشتد اقتتال البدو؛ لا يمكن أن يضعف من القبيلة... فالكثير من أسرى المعارك يُطلَق سراحهم ويعودون إلى القتال مرة أخرى... لذلك لا أمل في أن يهدأ لعجمي بال؛ وكان مكتئباً إلى حد ما بسبب هزيمته الأخيرة.

لم يمضِ أكثر من شهرين بعد ذلك حتى شارك ابن رشيد بالإغارة على فخذ العريف من قبيلة الظفير في تقيد، ثم شارك مع قبيلة مطير بهزيمة السويط في القصير.

«يتبع»


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 91224_1230226461871615300_smaller

الأمير الشاب سعود العبدالعزيز الرشيد

(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 91224_1230393898230685600_smaller

السلطان عبدالعزيز آل سعود ومرافقان إنكليزيان في إحدى الثكنات البريطانية
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 91224_1230226354461613300_smaller

شيوخ وزعماء قبيلة شمر في مطلع القرن العشرين



_________________ تــوقــيـع


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Counter


عدل سابقا من قبل عاصي الشعراء العلياني في الأحد أغسطس 28, 2016 4:56 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3leian.ahlamontada.com
عاصي الشعراء العلياني
مدير العام
مدير العام
عاصي الشعراء العلياني


الدولة : السعودية
تاريخ التسجيل : 23/07/2010
عدد المساهمات : 3863

(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916   (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Emptyالأربعاء يناير 18, 2012 5:36 pm

ملخص الحلقة السابقة

• غيرترود: يقال إن الشيخ مبارك الصباح اتصل بالسيد طالب النقيب، وعرض عليه 3000 ليرة لإقناع الحكومة التركية بالقبض على سعدون ووضعه في السجن.

• إثر تناول سعدون وجبته أرسل العملاء الأتراك رجالاً متخفين في زي مبعوثين من الوالي لدعوته إلى الحضور أمام الوالي في السراي، واقتيد بعدها إلى السجن في حلب ومات هناك.

• منذ قيام السيد طالب بالعملية الخادعة، اختفى زعيم المنتفق الكبير من التاريخ واحتل مكانه ابنه الثاني عجمي.

• رجال قبيلة البدور يحاصرون عجمي الذي يخلصه الأتراك ليسعى إلى البحث عن حماية.

• وقعت أشد المعارك ضراوة في تاريخ الحروب القبلية في صحراء الجزيرة العربية، حين لقنت قبيلتا الظفير والبدور درسا قاسيا لعجمي وأتباعه... ويقال إنهم قتلوا 300 فرد منهم، بينما لم تزد خسائرهما على الأربعين قتيلاً.

• عجمي يمتطي ذلوله وحيدا ميمما حائل لطلب الحماية من الأمير ابن رشيد.

• بعد تحالفهم مع عجمي، فرَّ بنو مالك من معركة جرت بين شقراء والرخيمية ما أدى إلى حصاره وقبيلة مطير وتم الاستيلاء على متاعهم ورحلهم.

• انتقل عجمي إلى الغباشية ودبَّر الاستيلاء على 60 ألف ليرة كان ابن عم والده قد أودعها في مبني معروف باسم «بيت مال مزيد».





الحلقه التاسعه


اندلاع الحرب العالمية الأولى

بينما كانت معارك البدو في صحراء الشامية (الواقعة جنوب العراق حتى شمال نجد) تدور على أشهدها، وفي غضون تلك الفترة كانت شبه الجزيرة العربية تشهد أحداثا عظاما أكثر أهمية من أي خلافات قبلية. فقد أعلنت تركيا الحرب على بريطانيا العظمى، والأتراك الذين كان يشاركهم عجمي بأكثر من 250 فارساً دُحروا تدريجياً في الفاو والبصرة. ولكن أحداثا أخرى بدأت في التطور، قد لا تكون ذات شأن عالمي على الرغم من أهميتها لجزيرة العرب. وهي أحداث تتعلق بعناصر الخلافات، لكنها ليست ضمن مجال هذا التقرير الذي يهتم بصحراء الشامية بشكل رئيس، ولكن من المفيد وصف أحد الصراعات الكبيرة لشرح عناصر معينة لا يمكن أن تخرج على الإطلاق عن صلتها بصحراء الشامية، وهي تلك الحرب المشهورة بين ابن سعود وابن رشيد.

الولاءات القديمة

تفصيل تلك الأحداث كما يلي: فقد أرسل ابن سعود إنذارا نهائيا إلى قبيلة مطير، التي كانت بالفعل إحدى القبائل التابعة له على الرغم من أن المطران انضموا أخيراً إلى ابن رشيد أو عجمي عندما عرضا عليهم فرصاً للقيام بغزوات، وقد طلب منهم العودة إلى تبعيته وإلا فإنهم سوف يكسبون عداوته الدائمة.

وقرر المطران العودة إلى ولائهم القديم واحتفلوا بهذه المناسبة بالاستيلاء على قافلة مكونة من 1000 بعير لأتباع ابن طواله زعيم عشيرة الأسلم من شمر، كانت في طريقها قادمة من الزبير. وكانوا حينئذ مستعدين إلى العودة إلى وطنهم والمشاركة مع قوات ابن سعود.

هروب النقيب عبر الكويت

حاول الأتراك إقناع ابن رشيد بمهاجمة ابن سعود في بداية حربهم مع بريطانيا العظمي، ووافق ابن رشيد على ذلك وجمع قواته، وفي هذه الأثناء غيَّر الأتراك رأيهم، ورأوا أنه من الأفضل لو استطاعوا إقناع ابن رشيد بأن يحتفظ بقواته في العراق، ويقوم ابن سعود بمهاجمة الكويت، وفي الوقت نفسه يتمكنون من إخضاع العرب في العراق مما يترتب على ذلك الإطاحة بقاعدة قوية لبريطانيا.

وبناءً على ذلك قرر الأتراك تكليف السيد طالب النقيب بمهمة الاتصال بابن سعود لحثه على التعاون معهم. وكان السيد طالب حينذاك مشغولاً بعرض خدماته علينا (الإنكليز) بناء على شروط مسرفة، وأثناء تردده في أن يخفف من شروطه، تسارعت الأحداث وأعلنت الحرب بشكل مفاجئ فأصبح في موقف خطر، ووفرت له مهمة قيامه بالاتصال بابن سعود وسيلة ثمينة للهروب، وعند وصوله إلى ابن سعود اتصل بالسلطات البريطانية التي سمحت له بالقدوم إلى الهند عبر الكويت.

العدو التقليدي

في غضون ذلك، أصبح من المرجح إمكانية دخول تركيا الحرب. وقررت حكومة صاحب الجلالة (بريطانيا) أن ترسل مبعوثاً إلى ابن سعود بشأن مصالحنا في شخص الكابتن شكسبير Shakespeare، وهو وكيل سياسي سابق في الكويت، وكان في إنكلترا آنذاك، وعند وصوله إلى الخليج (العربي) أُعلنت الحرب، ومع ذلك أبدت الحكومة رغبتها في الاتصال بابن سعود، وإن أمكن جعله يتحرك نحو العراق خدمة لمصالحنا، وبناءً على ذلك تحرك الكابتن شكسبير من الكويت لأداء هذه المهمة ووجد ابن سعود يتحرك بقوات كبيرة نحو بلاد شمر لمهاجمة ابن رشيد، وهو واثق جداً من النجاح.

وقد اشتملت قواته على فرقة مهيبة من قبيلة العجمان- على الرغم من الجفوة التي سادت علاقتها مع ابن سعود مدة طويلة، لكنها ظلت تدين له بالولاء وتطيع أوامره لتحقيق الاتحاد العام للقوات. وكانت قبيلة مطير أيضاً في طريقها للمشاركة، وفي ظل تلك الظروف ساد اعتقاد بين أهل البادية بأن ابن سعود كان قادراً على هزيمة عدوه التقليدي (ابن رشيد)، بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من رجاله المقاتلين، كان معه ثلاثة أو أربعة مدافع جبلية يديرها رماة ماهرون. ولكن هناك عامل وحيد في أي معركة عربية يخرج عن نطاق التنبؤ ألا وهو الخيانة.

ضربة قاسية لابن سعود

ويعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في نتيجة المعركة لمصلحة ابن سعود لولا (حسب قصص البدو) موقف العجمان المفاجئ، ويقال إنهم انقلبوا عليه في مرحلة حرجة من الصراع وقتلوا أعدادا كبيرة، وأربكوا البقية، وخرجوا بغنائم كبيرة من الإبل.

وأتباع كلا الجانبين روّوا روايات مختلفة عمّا دار، ولكن ليس هناك شك في أنه على الرغم من أن كلا الجانبين قد عانى بشكل خطير الصدمة بسبب عدم المواجهة وعمليات الاستيلاء التي قام بها العجمان وآخرون؛ فإن ابن سعود قد تلقي أقسى ضربة أضعفته كثيرا في حينها.

في هذا السياق كان الكابتن شكسبير الذي أصر على الحضور بصفته مراقباً مهتماً بالأمر وعلى الرغم من نصيحة أصدقائه ومضيفه بأن يبتعد عن جو المعركة لقي نهايته الأليمة، وتختلف الروايات بشأن ظروف موته ولا توجد رواية واحدة دقيقة. وإلى أن ينجلي غبار المعركة ونتمكن من التوصل إلى مصادر يعتمد عليها من كلا الجانبين بناءً على شروط السلام، فإنه من الصعب التيقن الآن بتأكيد رواية أو أخرى.

ذلول ابن رشيد

وعود إلى الحديث عن المعركة: كان رجال قبيلة مطير على مسافة بعيدة عندما بدأ القتال، وعندما اقتربوا وسمعوا صوت الطلقات التفوا في البدء حول ميدان المعركة من الجهة الجنوبية ثم تحركوا إلى أن وصلوا إلى مؤخرة قوات قبيلة شمر، حيث كانوا قد تركوا إبلهم التي استولى عليها المطران وحصلوا على غنائم كبيرة، ثم عادوا إلى موطنهم وذهبوا إلى ابن سعود المنسحب، وقالوا له: «لماذا انسحبت؟ انظر لقد أسرنا ذلول ابن رشيد نفسه!»... وبالفعل كانوا قد فعلوا ذلك.

ويلاحظ من خلال هذا التاريخ الموجز للخلافات القبلية أن البدور قاموا على الدوام بإنقاذ الظفير من الكوارث، وبالفعل يدين الظفير للبدور بكل شيء. وهناك قبائل معينة مثل الأزيرج يعَّدون مقاتلين متميزين على أرضهم ولكنهم ضعفاء في الميادين الخارجية، والأمر ليس كذلك بالنسبة الى البدور فهم في أرضهم أو في خارجها يظهرون القدر نفسه من الجرأة. إن لهم طابعا خاصا في القتال يميزهم: فهم يتجمعون تحت لواء قائدهم في مواجهة العدو المشترك متناسين خلافاتهم الداخلية ويتسم قتالهم إلى حد ما بالوحشية، ويختلف الأمر مع قبيلة أخرى مماثلة، وهي قبيلة الجوارين التي لا يجد رجالها حالياً زعيماً يلتفون حوله عند الحاجة، وكذلك الأمر مع الزيَاد الشجعان كمقاتلين؛ فهم منشقون إلى أقسام كثيرة لا وحدة بينهم، لدرجة أن المرء لا يتصور أنهم يتجمعون تحت راية واحدة.

مصدر المؤامرات

معظم رجال قبائل الشامية قد شارك في واحدة أو أكثر من هذه الغارات أو المعارك الكثيرة، وتلك المعارك سطَّر سجلها: الظفير والبدور والجوارين وآل غزي والزياد، ولكن الأبطال في هذه المعارك القبلية هم الظفير والبدور، وهو تحالف عجيب، لافت للنظر بين قبيلة بدوية من أصحاب الإبل (الظفير) وقبيلة بدوية من المنتفق من أصحاب الأغنام (البدور)، وكلتا القبيلتين نشأتا على عداء دموي ضد عدو مشترك هو عجمي السعدون.

وحتى يتم إزالة ذلك الشخص من صحراء الشامية سواء بالإغراء أو بالقوة فإنه سيظل -على الرغم من عدم أهميته العسكرية- مصدراً مزمناً للمؤامرات ومركزا للقلاقل؛ وعليه فهو مصدر إزعاج لنا ومكسب ثمين للأتراك. وهذا أمر أكيد لدرجة أنه يقال إن ابن رشيد يتنافس مع عجمي لنيل رضا الأتراك، وفي الوقت نفسه فإن العلاقات ما بين الاثنين متوترة جداً، وربما يعود ذلك إلى أنهم أدركوا عدم التناسب بين هذين العنصرين.

استمالة الزياد

ودعا الأتراك ابن رشيد لكي يضايقنا (الإنكليز) في صحراء الشامية، لكنهم طلبوا منه أخيرا العودة إلى حائل والانتظار حتى تأتي فرصة أفضل للقيام بزيارة ثانية إلى العراق، وبالنسبة الى عجمي فقد استمال قبيلة الزياد القوية إلى جانبه، وهي لا تستطيع أن تسامح شمر بأي ثمن.

ويقال الكثير عن سطوع نجم عجمي حتى أنه على الرغم من أن ابن رشيد قد ترك الأمر فإن أتباعه الذين بقوا في العراق على صلة وثيقة بعجمي أكثر من صلتهم بسيدهم القديم (ابن رشيد)، وحتى ضاري بن طواله الذي يعرف عجمي وشوهد معه قبل عام فقد أشاد بشخصية عجمي بتردد قائلا: عجمي عبارة عن «نفر» تحسب لشخصيته الحساب.





يتبع


_________________ تــوقــيـع


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Counter


عدل سابقا من قبل عاصي الشعراء العلياني في الأحد أغسطس 28, 2016 4:55 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3leian.ahlamontada.com
عاصي الشعراء العلياني
مدير العام
مدير العام
عاصي الشعراء العلياني


الدولة : السعودية
تاريخ التسجيل : 23/07/2010
عدد المساهمات : 3863

(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Empty
مُساهمةموضوع: رد: (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916   (تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Emptyالأربعاء يناير 18, 2012 5:42 pm

مصدره من صحيفه كويتيه
وتوقف الكاتب من نقل الباقي مع العلم هو من كتب
يتبع و لكن لم يكمل قبل شهور حملت الكتاب وهو عندي
وفعلا الكتاب ينتهي من حيث مانقلت وهذا الكتاب كامل.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]







وحياكم الله

_________________ تــوقــيـع


(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 DjvWDVLW0AAaB-L
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدودي
ماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــودي
فيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916 Counter
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al3leian.ahlamontada.com
 
(تقارير الاستخبارات البريطانية عن الجزيرة العربية عام 1916
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موسوعة الاصول و القبائل العربية
» اول ماوردت السيارات في الجزيرة العربية
» الجزيرة العربية اسم العرب وأصلهم وديارهم
» حفظ مصدر منــــاخ وحصــــار الـــدرعــيـه 1233هـ / 1818م
» تاريخ قبائل الجزيرة العربية>فــريـس وزحـول قبيلة السـهول"

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبكة حصاة قحطان :: المـجـــالــس التـاريخـيـه :: مجلس أخبار و تاريخ و أنساب وشعراء القبائل والاسر العربيه-
انتقل الى: