لقد كانت قبيلة بني مهدي كثيرة العدد قوية الجانب وأصبحت بحكم الوضع السابق تحكم نفسها بنفسها خاصةً بأيام الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون وبقيت على هذا الوضع من القوة والنفوذ حتى جاء العثمانيين ووجدوا جنوب ولاية سوريا على هذا الوضع فحاولوا إنهاءه بإرسال والٍ إلى الكرك،وحماية إلى الشوبك لكنها لم تُجْدِ شيئاً،ولأنهم وجدوا أن هذه القبيلة تأخذ الضريبة على القوافل العثمانية أو تنهبها إذا لم تدفع القافلة تلك الضريبة فقاموا باستخدام أسلوب القوة معهم وكانت واقعة(وادي الشلالة)في منطقة شمال الأردن حيث انهزم فيها العثمانيون ونتيجةً لذلك انقسمت القبيلة إلى قسمين (قسم آل مريود) شمالاً خلف القوات المهزومة حتى وصل إلى مناطق جنوب سوريا واستقروا هناك قرب أبناء عمومتهم آل مهيد ليكونوا درعاً عن بقية القبيلة في الجنوب وهم يعرفون اليوم بآل مريود ومنهم الزعيم المناضل أحمد مريود زعيم الثورة ضد الفرنسيين وقد قدم إلى الأردن في عهد قدوم المغفور له جلالة الملك عبد الله الأول وكان من مؤسسي(نضارة شؤون العربان)ثم كان وزيراً للمعارف وعضواً في البرلمان الأردني.
إمارة البلقاء
لقد تحدثنا خلال فترة المماليك عن ظهور بنومهدي وعن وصولهم بالبلقاء لعصرها الذهبي أيام المماليك ففي عام1263م،وفي عهد السلطان الملك الظاهر بيبرس استعادت البلقاء مكانتها كأكبر إمارة لبني مهدي حيث أقطعهم كثير من الإقطاعيات وقربهم إليه،وجعلهم في مكانة أمرائه وكبار مرافقيه ومستشاريه لاسيما الأمير شطي الذي كان من أكبر مستشاري السلطان،وقد أورد القلقشندي في كتابه(صبح الأعشى في صناعة الإنشاء)في الجزء الرابع منه وفي الصفحة(243)عن امتيازات عربان الشام ومن بينهم أمراء بن مهدي في البلقاء وما جاورها من إمارات ومنها:"وأعلم أن هؤلاء العرب لم يزل لديهم عند الملوك مزيداً من البر والحُبّاء..وجزيل العطاء لاسيما عند وفادتهم إلى الأبواب السلطانية
والعطايا كيف كانت تفيض عليهم فيضاً،من الذهب العين،ومن الدراهم مئات الألوف،والخلع والأطلس بالأطرزة المزركشة،وأنواع القماش المفضل،والسنجاب،والبراطس والمصوغات المجوهرة والذهب والكثير من اللباس المزركش لنسائهم،والسكر المكرر،ومختلف الأشربة مع ما يطلق لهم من الأموال الجمة من الشام،ويقطع باسمهم من المدن والبلاد والقرى والضياع ".وهذه الإمارة في هذا الوقت كانت تقدم ألفي فارس حسب نظام الإقطاع المملوكي العسكري مع بني عقبه وهم فرع من جذام في الكرك ويقومون بحماية طرق البلاد وتأمين السلامة والأمن لأهل البلاد وكذلك درك الحجيج في فترة الحج وبهذه الحالة يكون وضعهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في أوج قمّته،هذا الوضع الذي أشعر العثمانيين منذ قدومهم إلى بلاد الشام فوجوده غير ملائم لما يدور بخلدهم حيث أن هذه القوة ستكون خطراً عليهم،ولكي نتصور هذا الوضع علينا أن نتخيل الخارطة التي تغطيها رقعة الأراضي التي تحت حكم بني مهدي(من الغرب غور الأردن إلى منطقة سيل الزرقاء،وحده الغربي المصلوبية وصياغة وامتدادها غرباً حتى البحر الميت وجنوباً حدود الكرك وأطراف الشوبك وشرقاً مع نهاية الظليل لأن الزرقاء تحت حكم الأمير شبيب المهداوي وشمالاً نهر الزرقاء حتى التقائه بنهر الأردن،وهذه المساحة الكبيرة تشمل عدة محافظات حالياً منها(محافظة العاصمة ومحافظة الزرقاء ومحافظة البلقاء ومحافظة الكرك وأجزاء من محافظة عجلون حالياً وإربد أيضاً)فهي ثلثي مناطق الحياة في الأردن هذا جعل العثمانيين التفكير في شتى الوسائل للخلاص من هذه القوات وتفتيت هذه القلعة الحصينة فأتبعوا جنوب الأردن لولاية سوريا وأرسلوا حاكماً عسكرياً إلى الكرك وحمايةً عسكرية إلى الشوبك ومن ثم بدأوا بحيل المكر والخداع وإشعال نيران الحقد والكراهية بينهم وبين القبائل الأُخرى.
إن هذه الإمارات لم تتشكل بين يوم وليلة مع وجود دولة إسلامية حاربت المغول وأعادت الهوية الإسلامية لكثير من مناطق بلاد الشام ولولا مكانة الأمراء وانحدارهم من جذور أحبها الله ورسوله لما كانت هذه المكانة لهم ولما سكت عنهم السلاطين ولاطفوهم،ومع قدوم المنقذ الجديد الذي تزيا بزي الإسلام فتحت له القلوب البريئة حتى تنكر لها فمنذ استلام السلطان سليم عام1517 قسم سوريا لأربع ولايات يحكمها ويجني ضرائبها والٍ يعينه السلطان ومدة حكم الولاة لا تتجاوز السنتين مما يضطر الوالي للضغط بعصا من حديد على الأهالي لاسترجاع ما دفعه من رشاوى ثمناً للولاية وخاصةً ولاية الشام ولإنماء ثروته ضمن هذه المدة القصيرة وتأمين الضرائب المقررة على ولايته للسلطان .وكان الولاة يستخدمون أساليب مختلفة في جباية الضرائب فمثلاً كان منهم من يعطي شيوخ القبائل القوية ممن(كانوا بمثابة الأمراء)حق جمع الضرائب من الناس بطرقهم الخاصة،ومنهم من كان يعين ملتزماً بكل منطقة وهذا الملتزم عليه جمع مبلغ معين من المال للوالي وهو يجبي الضريبة بطريقته الخاصة ولديه من الجند ما يكفي للإساءة والإرهاب)!للأهالي بحيث يدفعون حتى أثاثهم ليؤدوا قيمة الضرائب المطلوبة منهم وقس على ذلك حالة الفلاح الذي يزرع الأرض وينتظر جني المحصول ولا ينال منه إلا التعب،وهذا أحد أسباب هجر الأرض وإهمال الزراعة مما أدى إلى تدهور الحالة الاقتصادية في أواخر الخلافة العثمانية.
لقد ورث الأمير جودة الإمارة من والده الأمير محمد وعن جده إمهدي،وهذه الإمارة متوارثة منذ عهد (فروه)في إمارة أيله ومعان التي كانت تصل إلى عمان والبلقاء وذلك في عهد ظهور الإسلام واستمرت مع الاختلاف في مقدار قوتها ومساحة أراضيها وكما كانت قبيلة بني مهدي تحكم البلقاء حكماً عشائرياً،فقد كان الأمير جودة يسوس الأمور خاصةً أن قبيلته هي أقوى وأمنع القبائل في المنطقة .
وقد كانت علاقته مع باقي القبائل علاقة مودة واحترام فقد كان قاضياً عشائرياً ورث ذلك عن جده وأبيه(ابن مهيد)أو الأمير(الأمهدي)وعرف عنه العدل وصواب النظر في الأمور،لذلك كانت تأتيه الخصوم لينهي الخصومة بينهم والأمثلة كثيرة على ذلك منها ما أورده كتاب تاريخ الفحيص لمؤلفه أديب ألعديلي في(القضوة)للأمير بن مؤنس ألعبادي الذي كان في ماحص وأهل الفحيص على نبع الماء،وكان كريماً عفيف النفس فلم يذكر عنه أنه هضم حق أحد من الناس ممن حوله وكان فارساً سليل فارس وكان ضيوفه أكثر من أقاربه حوله ولهذا التسامح نجد أن النصارى قطنوا الفحيص وماحص طلباً للأمان بجوار هذا الشيخ الجليل ولم يذكر أنه تعرض لهم بسوءٍ يذكر.
أما ما كان يروى على ألسنة بعض الناس ممن يجيدون حبك الروايات وتلوين الصور(قصة الأمير المهداوي مع ابنه خوري الفحيص)والتي حرفت لأكثر من صيغة كما يحلو للراوي تعديله وتبديله.فإننا نورد القصة امتثالاً لحرية الرأي(الرأي الآخر)،تاركين للقارئ الكريم حرية الحكم عليها وتتلخص فيما يلي:
تسلم الأمير جودة إمارة البلقاء حوالي عام1630م من والده محمد وكان الخوري قدم إلى الفحيص منذ أربعة شهور ترافقه ابنته(مريم)ماريا وسكن في مغارة في قلعة دير الروم وأمامها شجرة كبيرة فذهب الأمير جوده إليه عندما سمع عن جمال تلك الفتاة عاقداً النية على الزواج منها إن راق له الأمر فذهب ضيفاً ولما ذهب إلى بيت ألخوري(مكان إقامته)شاهد الفتاة جالسة تحت الشجرة فقال لها شعراً،ثم طلب الفتاة من والدها،فوعده بالزواج منها بعد إعطائه مهلة لاستشارة الفتاة،وبعث الخوري إلى أهل الفحيص يثيرهم ضد الأمير جودة ومستنجداً بهم.
وكان أن تم الاتفاق بين أهل الفحيص والخوري على قتل الأمير جودة قتل الأمير جوده،وأثاروا البعض للاستعانة بالعدوان الذين لهم ميول للخلاص من قوة هذا الأمير فأرسلوا رسولاً يدعى(عفانه)من عشيرة الزيادات فجاء العدوان واتفق الجميع على قتل الأمير المهداوي(جودة).
فرسمت خطة محكمة حيث حددوا يوم الزفاف يكون يوم تنفيذ الخطة فوضعوا حراسات حول البلدة وحول مكان وجود الخوري وتحديد من يقوم على خدمة الأمير وأرسلوا للعبد المرافق للأمير المهداوي من يشتري منه ضميره بالمال ليفك أسرجه خيول المرافقين للأمير المهداوي ذلك اليوم،وإنه كعادات العرب سيكون الأمير ضيفاً على الخوري أولاً ثم يأخذ عروسته وطلبوا منه ألا يرافقه عدد كبير نظراً لحالة الخوري المادية،وكان ذلك اليوم من نهاية شهر آب وقيل أن الأمير قدم حسب الاتفاق بالموعد المحدد وعلى الطريق وجد ذرة مزروعة فتناول حبة(عرنوس)وطلب من مرافقه(عفانه)أن يعد حباته ونزعها من أصلها ليلتهمها الأمير فكانت منه مثلاً من مقتل رجال من العدوان بعدد حبات الذرة وكان كما يقال أن عدد العدوان كان أربعين رجلاً وكان ذلك الموقف أمام رجال العدوان مما اهاجهم ذلك التحدي لهم ولكنهم كظموا غيظهم لكي لا تنكشف الخطة،ولما قدم الطعام للأمير ووضع يده فيه وذاق طعمه فلم يجد(الملح)فعرف أنها نية الغدر والمكيدة وهي من عادات العرب،إذا أرادت الغدر فقام الأمير وقال(بقتم)يا أهل الفحيص فأجابه أحدهم:"البوق بدا منكم يا أمير"وهوا عليه بالسيف فقتله وأطلق الرصاص وهي إشارة لبقية الخطة فهجم من كان بالخارج على مرافقي الأمير وقاتلوهم فقتل حسن وسميت أبو الحسن وكذلك ذيب بمنطقة أبو الذيب وصقر في منطقة الصقيرية.وقتل غنام واستمر القتال بين قبيلة المهداوي والعدوان مع حلفائهم من أهل الفحيص وخلف الأمير جودة على القبيلة ابنه ضمّان فلما رأى تحالف القبائل ضده نزل إلى غور الكفرين،وما لبث العدوان أن هاجموه وقتلوا ابنه مشهور ثم ارتحل إلى غور بيسان وإلى غور نمرين.وتلك القصة تتنافى مع الحقيقة كان الهدف منها تشويه نهاية أسرة بني مهدي.
هادي القحطاني
_________________ تــوقــيـع
|
لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدوديماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــوديفيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي |