عاصي الشعراء العلياني مدير العام
الدولة : تاريخ التسجيل : 23/07/2010 عدد المساهمات : 3863
| موضوع: حقيقة الجيش النجدي بقيادة بن قرمله في حضرموت (بحث) السبت يونيو 23, 2012 8:07 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|
|
مـــقـــدمــــة
ورثت حب القراءة بصفة عامة من والدي , الذي يمتلك مخزوناً هائلاً من الكتب في مختلف المجالات , سواءاً كانت في مجال التوحيد و الفقه , أو الدراسات الإسلامية أو التاريخ والسير , أو الأدب العربي ونحو ذلك , فكنت في كل فترة أتطلع إلى أحدها من آن إلى آخر , ومن ثم رغبت في القراءة أكثر عن التاريخ , وخصوصا الأحداث التاريخية القديمة التي يرتبط بعضها بما نحن فيه الآن بشكل أو آخر , وكان لي أن أتطلع إلى شيء من التاريخ الحضرمي بحكم انتمائي إلى تلك الأرض , رغبة مني بفهم ما تعنيه تلك الكلمة ( حضرموت ) ماضيها و حاضرها أناسها وقبائلها وجغرافيتها وهو ما قادني إلى كتابة هذا التقرير المطول ..
(جيش ابن قرمله)..كان الأسم غريبا ومألوفا في وقت واحد حينما قرأته , وكان هذا الأسم في سياق خبر عن غزوة نجدية لبعض الجهات الحضرمية , فجاء الاسم مألوفاً بسبب وزن الكلمة مثل قرملة , وغريبا بسبب أحرفها التي بهذا الشكل إما قرملا, فقمت حينها بسؤال الكثير من أهالي الرياض ونجد عن قبيلة أو أسرة بهذا الأسم فلم أجد إفادة من أحد , وبحثت في كتب الأنساب السعودية ولم أتوصل إلى أي نتيجة , وبحثت في المصادر التاريخية السعودية فلم أجد إشارة عن هذا الجيش .
ولدي شعور جارف بأن هذا الاسم لا يقصد به سوى الشيخ هادي بن قرملة القحطاني, وهذا الشعور لم يكن مرتكزا على التخمين , إذ أن من أبسط أبجديات الأوراق والأعمال ذات الطابع التاريخي الابتعاد عن التخمين والاعتقاد بدون دلالة واستنباط واستقراء للوضع أو الحالة المراد الإطلاع عليها ودراستها .
والمصادر الحضرمية مثل أدوار التاريخ الحضرمي و جواهر تاريخ الأحقاف , و إدام القوت وغيرها , يصفون جيش بن قملة على أنه جيش قدم من بادية نجد في عام 1224 هـ , أي قبل مائتين سنة تقريباً , وهي في نفس فترة حياة بن قرملة , ومن المعلوم أن الشيخ هادي بن قرملة كان من قادة الدولة السعودية آنذاك.
و المصادر السعودية ذكرت أنه وصل إلى حدود حضرموت فقط , (بينما الجزء الغامض هل دخل إلى الأراضي الحضرمية أم لا ؟), وعلى النقيض نجد في المصادر الحضرمية أن هناك جيش نجدي دخل إلى أراضي حضرموت ولكن وجدتها بأسم مختلف كما أسلفت , ولا أعرف سبب التحريف في الأسم , وعلى كل حال نستفيد من هذا الاختلاف أن هناك الكثير من الأمور التاريخية فقدت وغيبت بسبب عدم التدوين والمتابعة, وأكثر ما نخشاه أن حقائق كثيرة مغيبة عن صفحات التاريخ بسبب جرة قلم أو نزعة هوى, أو جهل وتعصب , وميل لمذهب وتحيز له .
ويرى بعض الأخوة أن إختلاف الإسم مرده سقط في مخطوطة ما , وتناقلته بقية المصادر بنفس الخطأ , فكما أخطأت المصادر و كتبت قملا فإنها أخطأت في كتابة اسم هادي إلى ناجي , والبعض يرى أنه متعمداً وما مرده إلا التعصب المذهبي الصوفي , و قد قمت بسؤال بعض بني قحطان عما إذا كان يعلمون بواقعة ما عن الشيخ هادي في حضرموت , وجدت أنهم لا يعرفون ماهي حقيقة هذا الموضوع ولم يسبق لهم أن سمعوا شيئا حوله , ولكن فوجئت بإجابة أحد الأخوة من آل عاطف من الجحادر , حيث أنه فور سؤالي له عن الشيخ و حضرموت , مباشرة أجاب قائلاً : نعم هناك مجموعة من قحطان والدواسر وصلوا بغزواتهم إلى داخل حضرموت , هذا كل ما يعلمه من جده الطاعن في السن , ولم يسبق له أن قرأ شيئا عن ذلك في كتاب أو مصدر .
هـــدف هـــذا الـــجـــيــش
لم يكن هدف هذا الجيش سياسي أو له مطامع توسعية في العمق الحضرمي , وإن كان كذلك فيستحيل آنذاك لوجود دولتين قوية متمثلة في السلطنة الكثيرية من وسط حضرموت إلى حدود الربع الخالي والسلطنة القعيطية من الأسفل وإلى اتجاه الثغور البحرية , والأراضي القبلية التي تخضع إلى إحدى السلطنتين, وإنما كان هدفهم ديني , قائم على نبذ المظاهر الخارجة عن صميم العقيدة والشريعة الإسلامية كالمزارات والأضرحة وغير ذلك , مع أن الجيش النجدي واجه مقاومة في بادئ الأمر وهو ما سيتضح تفصيله فيما بعد , و من الواضح أن قدومهم لم يكن يعجب بعض الفئات في الأراضي الحضرمية , التي كانت مستفيدة من وضعها الديني , فالجيش النجدي وما كان يدعوا إليه يفوت عليهم الكثير من مصالحهم .
ما ورد من تفاصيل عن الجيش
لكي تدرك الحوادث وتفهم , لابد من الإلمام بتفاصيلها , وفي هذا الموضوع وجدت بعض المصادر تحيلني إلى مصادر أخرى وكتب لم أستطع الحصول عليها , و وجدت بعض الإختلافات في عدد الهجمات وطريقة دخول الجيش النجدي إلى حضرموت ,وأيضا مشكلة الأسماء التي الموجودة , فتارة يذكر ناجي بن محمد بن قملة , ويذكر معه شخص آخر وهو علي بن قملة , وأغلب ما أتفق عليه في المصادر ناجي بن قملة هكذا دون تفصيل , وأيضا إختلاف المدد الزمنية للهجمات وطول مدتها واقامت النجديين , وعلى كل حال فإن كل المصادر إتفقت على دخول النجديين وقيامهم بدعوتهم التوحيدية .
في بيان عدد الهجمات
ذكر السيد علوي بن أحمد بن حسن في مقدمته لـ(( لديوان جده )) :
" وذكر الشيخ عقيل بن دغمش أنهم -أي جيش بن قملا- خرجوا إلى حضرموت ثلاث مرات /
فالأولى : سنة 1218هـ , وردهم الأمير جعفر بن علي الكثيري لمّا ملك شبام . والثانية : سنة 1224هـ , وجرى منهم ما تقدم في تريم , وأخذوا نحواً من أربعين يوما , ثم ساروا منها كلهم . والثالثة : خرجوا سنة 1226هـ و وصلوا قريباً من شبام وفازوا بالقتل والانهزام , ورجع منهم من رجع شذرَ مذر " أ.هـ , وقد ذكر لنا هنا لمحة موجزة جداً عن عدد الهجمات النجدية وسيأتي بيانها وتفصيلها من مصادر أخرى .
ما جاء عن دخولهم عام 1218هـ
قرأنا أن الهجمة الأولى ردهم جعفر بن علي الكثيري ولكن ذكر السقاف في إدام القوت : " ..في عهد ناجي بن علي بن ناجي آل بريك اليافعي والي الشحر , جاءت الوهابية في خمس وعشرين سفينة تحت قيادة بن قملة , بأمر من الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود , ولم يعترضهم آل بريك , وأقاموا بالشحر أربعين يوماً , ثم ركبوا سفائنهم وعادوا لجهتهم ."
هذا النص مهم جداً لما ينبني عليه عدة أمور يجب التركيز فيها :
1-هذا يعتبر القدوم الأول للجيش النجدي بقيادة بن قرملة بدليل أنها كانت بأمر من الإمام عبدالعزيز بن محمد الذي توفي سنة 1218هـ .
2-لاحظت في كتاب السقاف والذي يشتمل على أكثر من 1000 صفحة , أنه لم يكن يدقق في تفاصيل الجيش النجدي كثيرا بقدر ما يبرز الجوانب العقيدة التوحيدية , فيبدو أنه هنا نقل من مصدر ما أنهم قدموا من البحر , والأرجح أنهم جاءوا لحضرموت من شمالها والله أعلم.
3-ورد أن الجيش النجدي بقي في الشحر وهي مدينة ساحلية مطلة على بحر العرب لمدة أربعين يوما ,ولم يعترضهم أحد من آل بريك الذين كانت الشحر في أيديهم , وفيه رد على من زعم وقال بأن جعفر بن علي الكثيري رد جيش بن قرملة حينما جاءوا للمرة الأولى , لأن الدولة الكثيرية في تلك الفترة كانت مفككة وقبل أن تستعيد قوتها من جديد , ولم تكن الشحر بيده فضلا عن رده لهم كما تبين .
4-الملاحظ في تاريخ الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود , يعرف بأنه اعتبر من ابرز امراء آل سعود، فقد حكم تسعة وثلاثين عاما ، وامتد نفوذه إلى أنحاء نجد ، والاحساء، والقطيف , ومشارف بلاد الشام،والعراق ، ((واليمن)) وعمان والاراضي المقدسة , والمقصود باليمن هنا محافظة حضرموت , وفي الواقع لم يكن له نفوذ بالمعنى المفهوم , على كل حال فقد وصل جيشه إلى هناك , ومن المعلوم أن من قادته بن قرملة , ولكن لا أحد يعلم بأن قائده في تلك الجهات لم يكن سوى ابن قرملة نفسه , ودليل ذلك الجهل ( أنه لا مصادر سعودية ولا مصادر حضرمية حالياً , أشارت إلى أنه بن قرملة القحطاني كما سبق وأن أشرت إلى ذلك ) .
ما جاء عن دخولهم عام 1224هـ
ذكر علي بن حسين بن محمد بن جعفر العطاس في الجزء الأول من كتابه( تاج الأعراس بمناقب الحبيب صالح بن عبد الله بن أحمد العطاس ) شرحا تفصيليا لموقعة بحران -وهي أرض منبسطة قريبة من مدينة حريضة بحضرموت- التي حدثت عام 1224 من الهجرة، بين ناجي بن قملا وجيشه من جهة وبين آل عطاس وقبائل وادي عمد من جهة ثانية بقيادة السيد علي بن جعفر بن محمد العطاس فقال: " أخبرني المقدم الثقة علي "بكسر العين" بن سالم بن سليمان بن حمد الجعيدي، ساكن قرن بن عدوان من وادي عمد، من رواية والده، لأنه كان أحد قواد جيش المنطقة في تلك الحرب: أن الحبيب علي بن جعفر العطاس هو الذي تولى القيادة العامة للجيش المكون من قبائل الجعدة والسادة آل عطاس، حينما هاجم ناجي بن قملا وجيشه، حريضة ووادي عمد بعد أن استولوا على أسفل حضرموت وحبسوا علماءها وعظماءها في مصنعة حورة ، ولما كانت حريضة هي العاصمة اجتمعت فيها قبائل الجعده والسادة آل عطاس، وكان عادة أهل حضرموت كغيرهم من العرب أن الجيش يهاجم العدو دفعة واحدة، ويدافع كذلك، فلهذا يسري فيهم الضعف إذا طال عليهم أمد القتال فقال لهم الحبيب علي بن جعفر العطاس: هل تريدون أن يكون الدفاع على قواعدكم أو تحبون أني أتولى القيادة؟ فقالوا له بصوت وأحد: رضينا أن تكون أنت القائد العام.
فعند ذلك أمر أولا بإرسال النساء والصبيان إلى وادي عمد ، ثم مشى بنفسه على جميع البيوت التي في حريضة وضبط ما فيها من الأطعمة لأجل تموين الجيش، ثم جعل الجيش ثلاث فرق، وقال لهم الأولى قلب الجيش والثانية جناحه الأيمن والثالثة جناحه الأيسر، وعرفهم كيف تكون مواصلة الفرق لبعضها، وجعل خط الدفاع من غمدان إلى الطويل" أي من الجبل الشرقي إلى الجبل الغربي" وتقلد هو بندقه المعروف بالمظفري المشهور بالإصابة وجعل مركزه الفرقة الأولى، المكونة من السادة آل عطاس وقبيلة آل سلمة "بكسر السين واللام والميم مع سكون الهاء" من الجعدة، وهم سكان أواسط وأدي عمد، كما أنه جعل قائد الفرقة الثانية المكونة من آل محمد بن حمد الجعده سكان أعلى الوادي الحبيب عيدروس بن الحبيب القطب صالح بن عبد الله بن سالم بن عمر الحامد بن الشيخ أبي بكر بن سالم" وليد عمد ودفينها" وجعل الحبيب عبد الله بن طالب بن الحسين بن عمر العطاس" وليد حريضة ودفينها" قائدا على الفرقة الثالثة المكونة من آل عل "بكسر العين وسكون اللام بعد حذف الياء" بن عبد الله الجعده وهم سكان تبرعه من أسفل وادي عمد، فجعل الحبيب علي بن جعفر العطاس على كل قبيلة من تعتقده وتحترمه من السادة المتقدم ذكرهم زيادة على غيره، وهناك ابتدأ جيش بن قملا يهاجمون الثكنة الأولى من خط الدفاع بأجمعهم وحمي الوطيس بين الفريقين فلما كادوا يخترقونها بعد التعب الشديد جاء المدد بالجنود النشيطة وهكذا استمر القتال على تلك الحال ستة أشهر حتى انهزم بن قملا شهر هزيمة.
ومما يجدر بالذكر هنا أن المقدم عمر بن علي باصليب المشجري , لما بلغه الخبر بهجوم بن قملا على بلد حريضة جاء إليها في ثلاثمائة رامي من قومه آل باصليب سكان حالة باصليب والمعقل بوادي عمد منجدا للسادة آل عطاس وقبائل الجعدة ففرحوا بهم ومنهم، وشكر الحبيب علي بن جعفر المقدم باصليب وقومه على غيرتهم، ثم قال لهم إن الزاد الموجود الآن عندنا في حريضة غير كاف لنا ولكم وطلب منهم العودة إلى منازلهم، وقال لهم نحن نكفي العدو للدفاع إن شاء الله ، وإن دعت الحاجة عندنا سنرسل لكم، فلما رجعوا إلى وطنهم أمر المقدم المذكور أصحابه أن يأتي كل واحد منهم بجراب "أي عرق بالتحريك" من التمر فجمعوا ثلاثمائة جراب على عددهم وأرسلوها إلى حريضة مساعدة منهم في تموين الجيش. ثم كتب الحبيب على بن جعفر كتابا إلى "ريدة الصيعر" يستنجدهم لإطلاق الأسرى الذي حبسهم بن قملا في مصنعة "حوره". فلبى دعوته المقدم بن رميدان، والحكم سليمان بن جربوع في خمسمائة رامي من قومهما آل عل بفتح العين وسكون اللام" بالليث، يقود آل عل بلّيث بن رميدان وآل حاتم بن جربوع، وفعلا هاجموا مصنعة حورة، وقد بدأ أثر الضعف يدب في جيش بن قملا وذلك حينما ابتدأ محمد علي باشا صراعه مع قيادتهم، واحتل الجيش الصيعري حوره، وأطلق الأسرى منها بأجمعهم، وأهل حضرموت يسمون جيش بن قملا، في هذه الحروب " قوم بن قمله" باسم قائدهم العام ناجي بن قمّلا، ويقلبون الألف هاء أ.هـ "
وبعد أن إطلعنا على التفاصيل الواردة في
كتاب تاج الأعراس , وهذا الكتب في الأصل مليء بالدجل والخرافات الصوفية وتقديس الأولياء وما إلى ذلك , وبغض النظر عما يحتويه الكتاب من أمور مخالفة للشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا , فيجب التدقيق في بعض الأمور الواردة فيه , منها إدعاء الإستراتيجية الحربية كمهاجمة العدو دفعة واحدة , وجعلها بأنها عادة للعرب , فهذا إدعاء غير مقبول , فأين ما درسناه من إستراتيجيات المعارك التي تميز بها قادة العرب الأوائل , وأين ما عرفناه من إستراتيجيات طبقتها الدول التي قامت سابقا في حضرموت وغيرها , ومن ثم مدة المعركة التي جعلها المؤلف ستة أشهر , فهي تخالف ما ورد في أغلب المصادر بأن جيش بن قرملة لم يمكث أكثر من أربعين يوما في تلك السنة و فضلا عن إدعاء أنهم انهزموا في هذه المعركة , بل يتبين من المصادر المنصفة للدعوة التوحيدية بأن الجيش النجدي كان مدعوما من عدة قبائل حاملة للسلاح كقبائل نهد وقبائل الشنافر الكثيرية و القبائل اليافعية , فطبيعة الحدث وهدف الجيش النجدي يجعلنا نستشف أن هناك مبالغة في تقدير الأمور و تضخيمها لصالح الأعداء المناوئين للدعوة التوحيدية .
ذكر سالم بن محمد بن سالم بن حميد في كتابه (العدة المفيدة في تاريخ حضرموت) : " وفي سنة أربع وعشرين ومائتين ألف هجرية، كان وصول بن قملا وجيوشه من قبائل الدرعية إلى الجهة الحضرمية ، واستولى على الكسور مثل هينن وحوره وحواليها، معه قاضيه سبيت" بضم السين" وفي ذلك الوقت كان المعلم عبد الله بن سعد بن سمير قاضيا "بهينن" من زمن السلطان جعفر بن علي الكثيري ، فبقي هناك فقربه بن قملا وصالح بن قملا القبائل أي حملة السلاح من يافعي ونهدي و شنفري ، وحبسوا له أي أخذ منهم الرهائن، وهدم غالب رؤوس القبب المبنية على القبور، حتى بلغ إلى قبة نبي الله هود على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ، ووقع من أقوامه السفك لدماء المسلمين ، وانزعج بسببه البلاد والعباد إلى غاية أن أهل السواد والخلاء - يعني الفلاحين - انتقلوا إلى البلدان والحصون ، خوفا من جيوشه وتعديهم الحدود أ.هـ " وفي هذا الكتاب توضيح لأحداث سنة 1224هـ , وليست كما ذكر صاحب كتاب التاج بوجود معركة ضخمة , ومن ذكره بان الجيش النجدي جاء من أسفل حضرموت , فدخول الجيش النجدي يتبين في كتاب العدة المفيدة أنها كانت من أعلى حضرموت من (هينن) ومن ثم (حورة) - أنظر للخريطة - مع تحفظي على كلمة استيلاء لأن هينن فيها قبائل نهدية ولأنه قبل سنتين من هذه الحادثة جاء إليها الجيش النجدي وحصلت معاهدة بين بن قرملة وبين نهد وجعلوهم ولاة منطقة الكسر وحملة لدعوته , وأما مسألة الرعب وسفك الدماء فإنها مكذوبة على الجيش النجدي من قبل زعماء الصوفية , وهم الذين نشروا هذه الإشاعات من باب ترهيب الناس وتخويفهم من حملة الدعوة التوحيدية , التي جاءت لإيضاح الحق و توصيله , فيكفي رد مفتي الديار الحضرمية رحمه الله السيد عبدالرحمن بن عبيد الله السقاف حينما قال عن الجند النجدي: " فامتلكوا البلاد , ولم يؤذوا أحدا في حال ولا مال , ولم يهلكوا حرثا ولا نسلا, وإنما أخربوا القباب وأبعدوا التوابيت..أ.هـ "هذه كلمات صريحة في حق الدعوة السلفية النجدية فأين ما يدعيه المدعين من كلام زائف .
وذكر السيد السقاف في صفحات أخرى من كتابه إدام القوت قائلاً : " ... كان وصول الوهابية إلى تريم سنة 1224 هـ , بقيادة الأمير علي بن قملا , فطوى بهم حضرموت , ولم يفسد حرثاً ولم يهلك نسلاً , وإنما هدم القباب , وسوى القبور المشرفة ,و ألقى القبض على المناصب آل عينات وآل تاربه وأهانهم , وأتلف قليلاً من الكتب كثره بعض العلويين كعلي بن عبدالرحمن بن سهل بدون مبرر من الدليل ,وأقاموا بتريم نحواً من أربعين يوما , وعاهده عبدالله عوض بن غرامة وعبدالله بن أحمد بن يماني , على أن يكف الأذى عن بلاديهما على شرط أن يقوما بنشر دعوته التي لاقت هوى من نفوسهم وقبولا من خواطرهم أ.هـ " ولا أدري من يقصد بعلي بن قملا , لعله كان أحد قادة الجيش , ونسب اسمه إلى الجيش الذي كانوا ينادونه بأسم القائد العام ( جيش بن قملا ) أو قوم بن قملا , الذي في الواقع لم يكن سوى هادي بن قرملة , وفي ذلك بيان أيضا وتأكيد على أن هدف الجيش ديني , بدليل أن بن قرملة استجاب لعبدالله آل غرامة اليافعي و وعبدالله آل يماني , بأن يحملا راية الدعوة ونشرها .
وذكر باحنان الكندي في تاريخه (جواهر تاريخ الأحقاف ) : " .. في سنة1224 وصل إلى حضرموت ناجي بن قملا النجدي بجيش عرمرم من قبائل الدرعية , فاكتسحوا القطر الحضرمي , واضطر القبائل من نهد ويافع والشنافر إلى محالفتهم , ودخلوا تريم وكسروا قببها , وحرقوا بعض كتبها كما قيل وتوابيتها , وكسروا ألواح قبورها وحبسوا بعض مناصب الجهة , ومنعوا الأذكار والتذكير والحضرات والطرائق .
ولما أرادوا دخول عينات وبلغهم أن السادة آل الشيخ أبو بكر بن سالم مستعدون لحربهم وخلافهم في جند عظيم من الصيعر والعوامر والمناهيل والحموم ويافع وآل تميم, وأنهم لا يسمحون لهم بالدخول إليها , وصدوهم عن دخولها , طلبوا وصول السيدين المنصبين أحمد بن سالم بن أحمد منصب الشيخ الحسين , وسالم بن أخمد بن الشيخ عمر بن الحامد منصب آل حامد , وطلب المكرمي وصولهما إلى تريم بواسطة غرامة , وبقية يافع بتريم على أنهما آمنين على أنفسهما وأموالهما حتى يرجعا إلى عينات , فأطمأن المنصبان من جانب المكرمي لتوسط اليافعي , فتوجها إلى تريم لملاقاة المكرمي فتفاوض معهما في أن يخلياه من الدخول إلى عينات , فأبيا عليه , فكتب المكرمي إلى عينات يتهدد أهلها فيه بقتل المنصبين أولاً ثم الهجوم على عينات إن لم يخلوا بينه وبينها , فعقدت المؤامرة في ذلك , واتفقوا على ردهم ومحاربتهم ثم ثابوا , فارتضوا بدخوله خوفا على المنصبين , فكتبوا له برضاهم بذلك بشرط أن من دخل ثلاثاً من ديارها وهي دار الشيخ الحسين ودار منصبه ودار منصب الشيخ الحامد فهو آمن , لأن أهل البلد سيتحولون إليها حالة الهجوم , وسيخلون بينهم وبين باقي البلد , فرضي المكرمي بذلك , وقبل دخوله أزيلت التوابيت وجعلت في بعض بيوت السادة لتسلم من الإحراق , ثم دخل البلاد وخرب وكسر وغير , ثم خرج إلى المسفلة ثم إلى قبر نبي الله هود عليه السلام , وكلما دخل بلاداً خرب قبابها ومشاهدها وكسر ألواح القبور , وأبطل الإستغاثة والتوسل وغيرها مما يخالف العقيدة , ولما دخل عينات كان قومه يرتجزون بقولهم : سلام على من وحد الله-----ولا على المشرك سلام ويقال : أن عبدالله بن يماني التميمي وعبدالله بن عوض غرامة اليافعي حاكم تريم إذ ذاك , تعهدا له بنشر مبادئ مذهبه ومحاربة الخرافات بحضرموت , فعادوا إلى بلادهم بعد أن أقاموا بحضرموت أربعين يوماً فقط , وكان زحفهم للمرة الثانية , فقد سبق لهم أن زحفوا إلى حضرموت قبل سنوات في عهد الأمير جعفر بن علي الكثيري الذي مر ذكره آنفاً , وقد استطاع الأمير جعفر أن يردهم من غرب شبام فعادوا من حيث أتوا .أ.هـ " وقد أبرز المؤرخ هنا أمورا واضحة ترد على العديد من الإدعاءات , فقد ساندت القبائل الرئيسية هذه الدعوة سواء من نهد أو يافع أو الشنافر (آل كثير) , وإن كان جزء من العوامر الشنافر أو يافع مالوا إلى جهة الصوفية وما ذلك إلا لقوة تأثير أهل التصوف عليهم , ومن سياق الأحداث يتبين لنا قوة سيطرة جيش بن قرملة والقبائل المساندة له على الأوضاع في سنة 1224هـ , ويتضح لنا وجود أحد القادة مع بن قرملة من المكارمة .
وذكر صلاح البكري اليافعي في كتابه ( في جنوب الجزيرة العربية ) : " جاء الوهابيون إلى حضرموت سنة 1224هـ , بقيادة علي بن قملا فراعهم ما رأوه هناك من الخرافات والخزعبلات , وما شاهدوه من إستعباد بعض رجال الدين للناس , وجدوا الحضارم يقدسون القبور ويقدمون لبعض الموتى القرابين والنذور , ويطوفون بقبورهم كما يطوف المسلمون بالكعبة , ورأوا أصحاب السلطة الروحية يبيعون التمائم والأحجبة للجهلة والمغفلين , فهدموا القباب وحطموا التوابيت , ومنعوا الرواتب واعتقلوا المناصب , وخاف أهل تريم فطلب عبدالله بن أحمد بن يماني , وعبدالله عوض بن غرامة اليافعي إلى الوهابيين ألا يتدخلوا في شئون أهل تريم على أن يقوما بنشر مبدئهم ومحاربة الخرافات , فأجابوهم إلى ذلك وعاد الوهابيين بعد أن مكثوا أربعين يوماً , ولكن قبائل المناهيل والمهرة اعترضوهم وسلبوا أموالهم وقتلوا كثيرا منهم فعاد بعضهم إلى حورة وأقاموا فيها , وقيل أن الوهابيين جاءوا للمرة الثانية سنة 1226هـ , ولكنهم هزموا , وتضاربت الأقوال في سبب قدومهم إلى حضرموت , فقيل حصلت ظلامة على السيد أحمد الكاف , ولما لم ينصره أحد سافر إلى نجد واستنجد بالوهابيين , وقيل أن الذي استنجد بهم هو منصب الحداد لينتقم من الحضارم حين عارضوا في وضع التابوت على قبر جده أ.هـ " وفي كلام البكري اليافعي تكرار لما بدر ممن يسبقه من المؤرخين في عدم كتابة الإسم الصحيح لقرملة , ولكنه أعطى المضمون العام لتلك الغزوات الجهادية , وفيها يتبين أن دخول الجيش النجدي لحضرموت كان بدعوة من أحد الحضارم , ولكن أختلف في حقيقة الأمر .
من معاهدات بن قرملة
وقال السقاف : "..وجدت معاهدة بتاريخ سنة 1222هـ , بين علي بن صالح بن ثابت , وعبدالله بن سلطان بن ثابت و منصر بن أحمد , وناجي بن محمد آل قملا , وجعلا عبدالله بن سلطان أميراً من قبلهما على الكسر أ.هـ" ]تلك المعاهدة وقعت بين اثنين من شيوخ آل بن ثابت النهدي مع آل قملا , ولم نطلع على نصها وتجب الإشارة بان كتاب إدام القوت للسقاف ماهو إلا مختصر لمخطوطته بضائع التابوت , وبضائع التابوت لم نراه حد الآن فلعل فيها نص المعاهدة , وأستغرب لماذا بن عبيد الله لم يتنبه إلى أن الصواب هو قرملة , وللمعلومية كان السقاف على علاقة مع موحد المملكة الملك الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأخيه عبدالله بن عبدالرحمن -وسيأتي ذكر ذلك- , وهنا يتبين لنا أن الخطأ لم يكن منه بل من سابقيه , لأن هذه الأحداث كانت قبله بسنوات طوال جداً , وربما تقودنا هذه المعاهدة إلى موضوع القناص النهدي الذي فيما بعد هذه المعاهدة بسنوات استنفر قبائل قحطان الجنوبية لمساندة ((ابن الشيخ هادي)) محمد في قصيدته التي مطلعها : [ يابني قحطان داعي دعاني**يالجبال النايفات إجنحي له ] فهذا دليل إثبات على أن قصة القناص النهدي صحيحة , بوجود ما يدعمها في هذا النص الموضح لوجود علاقة بين نهد وقحطان , وكيف أن بن قرملة جعل عبدالله آل ثابت النهدي أميراً على الكسر وحاملاً لدعوته , والكسر في أعلى حضرموت وتسمى بالكسور , وفي وسطه تسكن قبائل نهد , ومن قرى الكسر العجلانية , هينن , الباطنة .. وغيرها , وكان قدومهم سنة 1224 هـ , على عهد السلطان علي بن بدر بن عمر بن جعفر الكثيري .
وأكمل السقاف قائلاً : " و وجدت معاهدة بينهما وآل العطاس بحريضة , وأمّرا من قبلهما عليها -أي حريضة - السيد علي بن أحمد العطاس ... وكذلك توجد معاهدة بين آل قملا والسادة آل المسيلة " وفيها رد على مزاعم صاحب كتاب تاج الأعراس , الذي ذكر بأن جيش بن قرملة قد انهزم و ولى , بل فيها إثبات على أنهم تمكنوا من حريضة واتفقوا مع السادة آل العطاس فيها , وجعلوا عليها أميراً من آل العطاس عليها , فأين مزاعم الستة أشهر , وفيها تتبين سياسة بن قرملة في مغازيه الجهادية
مما يثبت أنه بن قرملة
يقول السيد السقاف في كتابه حينما تكلم عن نجد العوامر وما تحتاج إليه من مساعدات ضرورية : " وبناء على هذا تكلمت مع سماحة الملك ابن السعود في ذلك , أواخر سنة 1354هـ , إذ كانت حضرموت تمت إليه بحرمة وذمام بما كان بها لأوليه من الإلمام , إذ هتف بهم صريخ منها في حدود سنة 1217هـ ... أ.هـ " يشير السقاف إلى أنه تحدث مع الملك عبدالعزيز , لأن من سبقه من الأئمة السعوديين كان لهم إلمام وإهتمام بحضرموت , ولبوا النداء القادم من الأراضي الحضرمية في حدود سنة 1217هـ , وبه يتبين فعلا أن الإمام الذي كان في تلك الفترة هو عبدالعزيز بن محمد بن سعود قبل وفاته , وبالنظر إلى ماقدمت من مصادر , والربط والإستنتاج يفطن من لديه بصيرة بأنه لم يكن المرسول من قبله إلا هادي بن قرمله, ولكن عتبي على من لم يكن به شغف ورغبة في زحزحة ما تراكم على أرفف الماضي السحيق والبحث عن الحقيقة . فلا أدري كيف إنقلب الإسم إلى ناجي بن قملة ؟!
آل كثير والدعوة النجدية.
قال السيد السقاف:" توفي الحبيب أحمد بن زين بالحوطة فجأة سنة 1144هـ, ودفن بشرق الحوطة الشرقية وعملت عليه قبة لم يتمكن الوهابية من هدمها لاستعجالهم مع نوع من المجاملة لآل كثير لأن بعضهم كان عونا لهم على تنفيذ الكثير من الأمور ".وذكر أن في منتصف الجبل الذي بجنوب الغرفة بقايا مخفر يقال له (كوت بن قملا) ,وقد أختلف المعمرون في شأنه فبعضهم يقول أن ابن قملا -ابن قرملة- بناه لما استولى على الغرفة وهم الأغلبية , والبعض يقول أن آل كثير بنوه ليكون حاميا لهم من شر ابن قملا , ثم أتم السقاف كلامه قائلا : والحق أن ابن قملا إنما يصول في جهة آل كثير فهم وإياهم يد واحدة.أ.هـ " ومما يثبت ذلك أن تحركات بن قرملة داخل القطر الحضرمي معظمها كانت في أراضي القبائل الكثيرية (شمال وادي حضرموت) -بعض القبائل خارج نطاق الأراضي الرئيسية- , فمن يقول بأن هذا الكوت بناه آل كثير خوفا من الجيش النجدي فإنها سفسطة لا محل لها من الإعراب , فلو لم يكن لآل كثير رغبة بالدعوة النجدية لما تمكن الجيش النجدي نهائياً من المرور على أراضيهم , وهذا ما جعل السقاف يؤيد ويؤكد أنهم كانوا عونا لأهل نجد , ومن النادر جدا أن نجد فرداً من آل كثير ينضوي تحت ظل أصحاب الخرافة , وبخصوص المجاملة فإني أستبعدها تماماً , لعل مرد ذلك الإستعجال أو أمر ما .
الخاتمة
خلاصة مما سبق , لكي تكون صورة الموضوع آكد للفهم , وأيسر للبيان , لابد أن أصوغ بعض النقاط الموجزة :
1-المذهب الفقهي في حضرموت شافعي , ولم يكن جميع أهلها ذوي توجهات صوفية , لكن بسبب الجهل آنذاك فقد قوي نفوذ أصحاب المذهب الصوفي , لما لديهم من خدع وحيل تستدرج الجهلة وترهبهم بإسم الدين .
2-كان البعض أبناء يرى إعطاء تقدير فوق المستحق لمشايخ العلم , فلذا يقومون بتبجيله وتبجيل أبناءه بعد مماته , وأيضا وجدت عدة أسر تمتلك سلطة روحية مؤثرة في أبناء حضرموت .
3-دخول بن قرملة الأول إلى حضرموت تلبية لنداء موجه من الأراضي الحضرمية إلى السلطة السعودية في عام 1217هـ , ولم تتضح لنا تلك الصورة والكيفية .
4-دخول بن قرملة لا يعني عدم وجود عقائد صافية مخلصة , بل إستشرى الفساد في تلك الفترة في حضرموت كما كان في نجد وبقية الجزيرة العربية .. وهي سبب نهضة إمامنا محمد بن عبدالوهاب .
5-الإدعاء بن جيش بن قرملة , جيش مدمر وسفاك إدعاء باطل , بدليل أن ترك أثر حميدا في أهل حضرموت و تأثر بالدعوة التي حملها العديد من حملة العلم وإلى اليوم فلم يعد ذلك العامي الحضرمي البسيط يتأثر بخزعبلات من ينهج نهج غلاة المتصوفة المنحرفين , الذين فقدوا قدرتهم التي كانت في الماضي بشكل كبير جدا .
6-بن قرملة وقدومه إلى حضرموت شكل نقطة تغير هامة جدا , وكيف يتم تجاهل مسألة كبيرة مثل هذه , أو عدم الإنتباه إليها من قبل المؤرخين في زماننا هذا ..
فرحم الله الجميع وغفر لهم
كتبه العبد الفقير لمرضاة ربه محمد بن عبود الوعل
_________________ تــوقــيـع
| لاتحسبنًي بشتكـي مـن مساويـــــــــك= مـن دون حدًي بحكمك في حدوديماني ونالعاصـي تضـن الرجـاء فيـك=رجــــاي بالله والـخـلايـق شـهــوديفيني طناخه يافتى الجــــود وطغيـك = أبــــك إقحطانـن كـلهـم لـي سنـودي |
| |
|